حدثتني امرأة مسنة من أهل البادية قالت كنت ألاحق إبل أهلي بالشهر والشهرين وزادي معي، فأرعبتني فكرة أن تمضي المرأة كل هذا الوقت في الصحراء وكيف بها إذا جن عليها الليل والأنثى مغلوبة على الضعف والخوف وكيف بها إذا سرحت وراء إبلها والشمس تأكل من أطراف الأرض ومن وجنتيها. فسألتها عن ليلة العيد قالت وهي تلتقط أنفاسها وكأنها تعيد ذاكرتها عبر نافذة الزمن قالت : هيه ما أهنأ تلك الليالي والأيام.. على قلة ما كنا فيه من متعكم وراحتكم. كنت أريد أن أقول لها لو تعلمين كم سلبت منا هذه الراحة الظاهرة من راحة البال وهذا الانشغال بالمتع الحديثة أو المستحدثة من ذلك الصفاء الذي كانت تنعم به الروح، كيف أصبحت كلمة الشوق والحب والتهنئة تبعث عبر أثير الرسائل المزخرفة فإذا تأثيرها لا يكاد يفعل بالنفس ما نسمعه مما كنتم تجدون من لذة وصدق. ليلة العيد هي ذلك الجمال الذي يضعه الله على مشارق الأرض ومغاربها فيرى المبصر عظمته وقدرته على التغيير كيف ما شاء ومتى ما شاء. يا عيدُ ما افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يا عيد فكيف تلقاكَ بالبِشْرِ الزغاريدُ يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ لها على الرَّفْرَفِ العُلْوِيِّ تَعْييدُ سينجلي لَيْلُنا عن فَجْرِ مُعْتَرَكٍ ونحنُ في فمه المشْبوبِ تَغْريدُ لنخرج إلى طرفة ولننسى كل ما يكدر الصفو: قال أحد القدماء دعونا نكون أكثر لطفاً ويقبل كل منا يد زوجته كلما دخل المنزل.. فقال أحدهم ولكني غير متزوج؟ فالتفت له وهو يقول إذن قبل يدك وجهاً وظهراً واحمد الله. كل عام وأنتم كما تحبون ويرضى الله.