كانت بلاد آبائنا وأجدادنا الجزيرة العربية عند قيام الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بمشروع التأسيس في حالة يرثى لها بدع في الدين وفقر مدقع وأمن مفقود واحتقار الإنسان لأخيه الإنسان واقتتال مستمر وأجزاء متفرقة ومتناحرة. والنتيجة بعد التأسيس هي ما نشاهده اليوم دولة موحدة تحت مسمى (المملكة العربية السعودية) وأمن مستقر وعدالة بين الناس وإقامة لشريعة الله، مع اعتبار هذه الشريعة هي الدستور والمصدر الرئيسي للأنظمة الحديثة التي تصدر من الدولة التي لا تتعارض معها فالشريعة منحت الحاكم المسلم انطلاقاً من مبدأ السياسة الشرعية صلاحية تنظيم الأمور الطارئة والحديثة التي لم يرد في الشريعة قواعد حولها. نعم لا نقول إن بلادنا بلغت درجة الكمال ولا نقول إن بلادنا ليست بدون أخطاء وفى نفس الوقت لا نقول إن ولي الأمر حجب نفسه عن الناس وأنه لا يتقبل آراء الآخرين، فدائماً نسمع ولاة الأمر يعلنون ترحيبهم بالآراء الأخرى ويحثون المواطنين على الكتابة لهم بآرائهم ويفتحون مجالسهم لاستقبال الناس مما لا يحصل في أي دولة أخرى. وهذا النهج في تقبل ولي الأمر للرأي الآخر جاء امتثالاً لشريعة الله وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وما كان يسير عليه السلف الصالح قال تعالى {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (الآية 28 من سورة الأعراف) وورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قوله (الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم. ومناصحة ولي الأمر ينبغي أن تكون سرية والدليل على ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (من أراد أن ينصح لذي سلطان في أمر فلا يبده علانية وليأخذ بيده فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه) أخرجه الإمام أحمد. وذلك لأن النصيحة العلنية فيها مخالفة للسنة النبوية، ولهدى السلف الصالح، وقد تؤدى لإثارة الفتنة في المجتمع، كما أن فيها إهانة لولي الأمر، فقد ورد عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قوله: (من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله). وفي عصرنا الحاضر يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز المفتي العام السابق للمملكة: (ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به). ويقول فضيلة الشيخ الدكتور صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء (العصمة ليست لأحد إلا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالحكام بشر يخطئون وليسوا معصومين ولكن لا نتخذ أخطاءهم مجالاً للتشهير بهم ونزع اليد من طاعتهم فإن الصبر على طاعتهم فيه جمع للكلمة ووحدة للمواطنين وحماية للبلاد). إذاً ما دام الأمر كذلك فلماذا يلجأ البعض منا إلى أسلوب النصيحة أو إبداء الرأي لولي الأمر بصفة علنية عبر القنوات أو مواقع التواصل، أليس في ذلك مخالفة لقواعد الشريعة الإسلامية -كما سبق أن ذكرنا- التي نتعبد الله بها، أليس في ذلك مخالفة لنهج السلف الصالح الذين هم قدوتنا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أليس في ذلك تشهير ببلادنا وبالذات أمام الشامتين والحاقدين، إن بلادنا قارة تعادل مساحتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا مجتمعة وليست دويلة صغيرة وحكومتنا تنفق أغلب الموارد على المشروعات وعلى التشغيل وعلى الصيانة وعلى الخدمات العامة وعلى الرواتب والأجور في سائر مدن ومحافظات هذه القارة بدليل أن آخر ميزانية بلغت (224) مليار دولار، وهي من أضخم الميزانيات في العالم، فمع حركة العمل الرهيبة والمستمرة لتنفيذ بنود هذه الميزانية على المشروعات والخدمات سوف يقع أخطاء والأخطاء تعالج بالشفافية وإبداء الرأي السديد بلطف وليس بالتجريح والتشهير.