أخرج البخاري في صحيحه أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :» وإنما الأعمال بالخواتيم « (9493)، ومن هذا الحديث فإنّ على المسلم أن يطلب من ربه الثبات على الإسلام، وأن يستديم عليه حتى الممات، لأنّ من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بُعث عليه. وقد كان الأنبياء يطلبون من ربهم الدوام على الإسلام والثبات عليه حتى يلقوا ربهم، ومن ذلك وصية يعقوب لبنيه في قوله تعالى: { يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، وهي وصية الله لجميع المؤمنين كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، وكان يوسف عليه السلام يطلب من ربه ذلك في قوله تعالى عنه: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}، وليس هذا دعاء باستعجال الموت، بل طلب الثبات على الإسلام والموت عليه وحسن الختام ، وذلك لتتم النعمة على العبد في الآخرة كما أتمها الله عليه في الدنيا. ومن أشد ما حذّر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يموت الإنسان كما يموت أهل الجاهلية، وجاء التحذير من ذلك فيمن خرج عن الطاعة وفارق الجماعة أو ليس في عنقه بيعة أو خرج على السلطان أو قاتل تحت راية عُميَّة لا يعرف وجهتها ، وهذه مخالفات في أصول عظيمة ومسائل كبيرة غفل عنها كثير من الناس، مما تسبب في فتن عظيمة على المسلمين. ففي مخالفة الجماعة والتحذير من مفارقتها وخصوصاً عند ظهور الفتن، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية» رواه مسلم (1849) ، وقوله : « من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية « رواه مسلم (1848) ، وقوله : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية « رواه مسلم (1851) ، وقوله :» من خرج على السلطان شبراً مات ميتةً جاهلية» رواه البخاري (7053) ومسلم (1849) وقوله : «ومن قاتل تحت راية عُميَّة يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبه أو ينصر عصبة ، فقتل فقتلته جاهلية» رواه مسلم (1848). فتأمّل كيف وصف موت كل هؤلاء بموت الجاهلية لخطورة الأمر وشدته ويعني بميتة الجاهلية في الأحاديث السابقة ، لأنّ أهل الجاهلية كانوا يعيشون في حالة من الفوضى والاضطراب، ليس لهم إمام ولا يبايعون إماماً ولا يدخلون تحت طاعة إمام أو جماعة ، فمن فعل فعلهم من المسلمين فقد شابههم في ذلك، فإن مات على تلك الحالة مات على حالهم مرتكباً كبيرة من كبائر الذنوب ، ويخاف عليه بسببها ألا يموت على الإسلام . ينظر المفهم (4 /59) . قال ابن حجر في الفتح (13 /7) والمراد بالميتة الجاهلية حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس لهم إمام مطاع لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك ، وليس المراد أنه يموت كافراً بل يموت عاصياً ، ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره ، ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن هو جاهلياً ، أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير وظاهره غير مراد . أه . وعلى المسلم أن يتقي الله في حياته ويتعبّد ربه بما أمر به ويُحقق الأصول العظيمة من لزوم الجماعة وإمامهم، والبعد عن اتباع أهل الأهواء وأفعال الجاهلية ليلقى ربه على الإسلام ويموت عليه ، نسأل الله الثبات على الإسلام .