إن من أفضل العبادات قراءة القرآن وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يحث أمته على قراءته ويبين لهم فضل ذلك. جاء في صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة». وجاء عن فروة بن نوفل الأشجعي قال: كنت جارًا لخباب بن الأرت رضي الله عنه فخرجنا مرة من المسجد فأخذ بيدي فقال: (تقرب إلى الله بما استطعت فإنك لن تقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه). وكان عبدالله بن المبارك رحمه الله يقول: (ليس شيء أفضل من قراءة القرآن). وفي شهر القرآن شهر رمضان كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يعطي القرآن وقته جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. وإن مما يفرح النفس ويشرح الصدر إقبال المسلمين ذكوراً وإناثاً كباراً وصغاراً على قراءة القرآن في شهر رمضان, فلله الحمد وحده لا شريك له. لكن مما يؤسف له أن بعضهم وفقهم الله يجهلون أمراً يؤثر في حصولهم على ثواب عملهم, وهو أنهم يقرؤون بأعينهم وقلوبهم بلا تحريك شفة ولا نطق لسان, وهذا خلل كبير، فقراءة القرآن لا تكون قراءة إلا إذا كانت نطقاً، وقد نص أهل العلم على ذلك, فمن ذلك ما جاء في كتاب بدائع الصنائع للكاساني الحنفي رحمه الله أن: (القراءة لا تكون إلا بتحريك اللسان بالحروف). وجاء في كتاب الهداية شرح البداية ما نصه: (مجرد حركة اللسان لا يسمى قراءة بدون الصوت). وجاء في كتاب الجوهرة النيرة للعبادي الزبيدي ما نصه: (أما قراءة القرآن فالمقصود منها عين القراءة إذ الغرض من قراءة القرآن الثواب وذلك إنما يكون بتحريك اللسان). وجاء عن ابن رشد المالكي رحمه الله أنه لما سئل كما في كتابه البيان والتحصيل: عن الذي يقرأ في الصلاة، لا يُسْمِعُ أحداً ولا نفسَه، ولا يحرك به لساناً؟ قال: (ليست هذه قراءة، وإنما القراءة ما حرك له اللسان). جاء في كتاب «مواهب الجليل (لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ لَمْ يَقْرَأْ وَإِنَّمَا فَكَّرَ). وهذا محل إجماع أهل اللغة أن من لم يحرك لسانه ويتلفظ أثناء القراءة فليس قارئاً، قال البيهقي رحمه الله في كتابه القراءة خلف الإمام ص31: (إجماع أهل اللسان على أن ذلك لا يسمى قراءة). وقد نبّه علماؤنا رحمهم الله على ذلك فقد سئل سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز غفر الله له عن بعض الناس يأخذون المصحف ويطالعون فيه دون تحريك شفتيهم، هل هذه الحالة ينطبق عليها اسم قراءة القرآن، أم لا بد من التلفظ بها والإسماع لكي يستحقوا بذلك ثواب قراءة القرآن؟ وهل المرء يثاب على النظر في المصحف؟ فأجاب بقوله: (لا مانع من النظر في القرآن من دون قراءة للتدبر والتعقل وفهم المعنى، لكن لا يعتبر قارئاً ولا يحصل له فضل القراءة إلا إذا تلفظ بالقرآن ولو لم يسمع من حوله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)) رواه مسلم. ومراده صلى الله عليه وسلم بأصحابه الذين يعملون به، كما في الأحاديث الأخرى، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفاً من القرآن فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها)) خرجه الترمذي، والدارمي بإسناد صحيح، ولا يعتبر قارئاً إلا إذا تلفظ بذلك، كما نص على ذلك أهل العلم). وقال رحمه الله: (من قرأ في قلبه فقط ما يسمى قارئ، لا بد من شيء عند القراءة والذكر حتى يسمى ذاكراً، ويسمى قارئاً، ولا يكون ذلك إلا باللسان). وسئل الشيخ العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله: هل يجوز لي أن أقرأ القرآن بدون النطق بالحروف ولكن بالمتابعة بالنظر والقلب من المصحف طبعاً فهل يحصل الأجر بذلك؟ فأجاب رحمه الله بقوله: (لا ليس في ذلك أجر يعني لا يحصل الإنسان أجر القراءة إلا إذا نطق بالقراءن ولا نطق إلا بتحريك الشفتين واللسان وأما من جعل ينظر إلى الأسطر والحروف بعينه ويتابع بقلبه فإن هذا ليس بقارئ ولا ينبغي للإنسان أن يُعَوِّد نفسه هذا لأنه إذا اعتاد ذلك صارت قراءته كلها على هذا الوجه كما هو مشاهد من بعض الناس تجده يقلب الصفحة ويومئ هكذا برأسه يميناً وشمالاً ليتابع الأسطر وإذا به قد قلب الصفحة الثانية في مدة يسيرة تعلم علم اليقين أنه لم يقرأ قراءة نطق والخلاصة أن مَنْ لم يقرأ قراءةً ينطق بها فإنه لا يُثاب ثواب القارئ هذا واحد، ثانياً ننصح إخواننا عن هذه الطريق أعني أن يقرؤوا بأعينهم وقلوبهم فقط لأنهم إذا اعتادوا ذلك حرموا خيراً كثيراً). فاحرص يا باغي الخير على القراءة الصحيحة التي تحصل بها على الأجر العظيم من الرب الكريم. فائدة: سألت شيخنا الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله عن رفع بعض المأمومين صوتهم بالقراءة أو بالدعاء فيشوشون على من بجانبهم هل يدخلون في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا .؟ فأجاب: لا يدخلون، وينبغي مناصحتهم عن هذا الأمر، حتى يتركونه. تقبل الله من الجميع صيامهم وقيامهم وصالح أعمالهم, والله أعلم.