ذكرت الأسبوع الماضي أن الريال السعودي عملة غير قابلة للتعويم، وذلك بسبب التذبذبات التي تحدث في تدفقات النقد الأجنبي تبعاً للتقلبات التي تتعرض لها إيراداتنا النفطية، والتي في ظل عدم وجود آلية تضمن توازن أسواق الصرف سينتج عنها تقلبات حادة في سعر صرف الريال في حال تعويمه. كما ذكرت أن من بين أبرز تأثيرات ربط الريال بالدولار، وبالإضافة إلى ما ترتب عليه من تراجع في قيمة الريال أمام العملات العالمية تبعاً لانخفاض الدولار، فقد السلطة النقدية لأي قدرة على التحكم في معدلات الفائدة على الريال التي في ظل هذا الربط يلزم أن تكون دوماً مساوية لمعدلات الفائدة على الدولار. والسؤال الآن إذا كان التعويم خياراً غير ممكن، فهل من المجدي أن يستمر ربط الريال بالدولار، أم أن ربط الريال بسلة عملات هو خيار بديل أفضل يجنبنا عيوب ربطه بالدولار؟! لكي يصبح الربط بسلة عملات خياراً مناسباً، فيجب أن يكون هناك عدد من العملات العالمية الرئيسة التي تتصف بالاستقرار النسبي والثقة العالية التي تجعلها مناسبة لتتشكّل منها سلة العملات التي تربط بها العملة.. ولكي تنال عملة دولة ما مثل هذه الثقة فيجب أولاً: أن تكون أصول بنكها المركزي أعلى بكثير من التزاماته، وثانياً: ألا تعاني ماليتها العامة من ارتفاع في مديونتها بصورة تحد من قدرة الحكومة على التعامل مع أي أزمة قد تتعرض لها العملة مستقبلاً. ووفق هذا المعيار فإن أهم عملتين في العالم مرشحتان لكي تكونا عملتين أساسيتين ضمن سلة عملات سعر صرف الريال وهما اليورو الأوروبي والين الياباني لا ينطبق عليهما هذا المعيار في ظل الوضع الاقتصادي والمالي غير الجيد الذي يعانيه اقتصاد منطقة اليورو والاقتصاد الياباني، وبالتالي لن يضيف الربط بهما أي قوة أو دعم لاستقرار الريال. أما العملات ذات الوضع القوي التي ينطبق عليها هذا المعيار فهي إما عملات غير معومة كاليوان الصيني المرتبط بالدولار، أو عملات دول صغيرة نسبياً بحيث لا يمكن أن تكون مكوناً رئيساً في سلة عملات يرتبط بها الريال كالكرونة النرويجية والدولار النيوزيلاندي والفرانك السويسري. بالتالي فكون معظم العملات العالمية الرئيسة في العالم تعاني من عوامل ضعف هيكلية تمنع ارتفاعها أمام الدولار بشكل كبير، رغم كل ما يعانيه الدولار من عوامل ضعف كان يفترض أن تتسبب في تراجع كبير في قيمته أمامها لولا أن هذه العملات ليست بأحسن حال من الدولار، يعني أن سلة العملات لا يمكن أن توفر استقراراً أكبر في سعر صرف الريال وبالتالي حماية اقتصادانا من أي تأثيرات سلبية نعانيها حالياً بسبب ربط الريال بالدولار. من ثم حتى وإن كان خيار سلة العملات خياراً مفضلاً من حيث المبدأ إلا أن حالة الضعف والاضطراب التي ما زالت تعاني منها معظم العملات الرئيسة في العالم منذ أزمة المال العالمية وأزمة الديون الأوروبية تجعل سلة العملات خياراً غير واقعي ولا يمثّل بديلاً مناسباً للربط الريال بالدولار، على الأقل في المدى المنظور وإلى أن تستعيد الاقتصادات الرئيسة في العالم عافيتها من جديد. إذن، إذا كانت سلة العملات خياراً غير مناسب في الوقت الحالي، ماذا عن خيار إعادة تقييم الريال أمام الدولار؟ هذا ما سنجيب عليه في المقال التالي إن شاء الله.