نأي الخليلين كون الأرض بينهما هذا عليها وهذا تحتها سكنا لله ما أخذ وله ما وهب، وكل شيء عنده بمقدار، ولكل أجل كتاب والحمد لله على قضائه وحكمه فله الحكم والأمر في الدنيا والآخرة من قبل ومن بعد وإليه المعاد. انتقل إلى المولى الرحيم يوم الأربعاء 20-08-1435ه أخي العزيز الأكبر مشعل بن صقر العطاوي (عميد أسرة آل صقر العطاوي) رحمه الله برحمته الواسعة وأرسل عليه شآبيب رحمته عن عمر يناهز الثامنة والثمانين عاماً، أمضاها في طاعة الله ورسوله وخدمة ملوكه ووطنه على مدار ستة عقود، طيب الله ثراه وأسكنه جنات النعيم. تربى عميد الأسرة -رحمه الله- في كنف والده بعد وفاة والدته وهو صغير السن فتلقى عنه الدين والمعرفة والجود متشبعاً بمكارم الأخلاق، وما أن اشتد عوده حتى لازم والده في خدمة الملك الموحد عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله- فكان من الرجال الأوفياء الأمناء الذين يعتد بهم وبصدقهم وإخلاصهم في إنجاز المهام المنوطة به بتوجيه ولاة أمر هذا الوطن العزيز. ابتدأ، رحمه الله، عمله الوظيفي في وزارة الداخلية (الحرس الخاص للملك) أثناء فترة حكم الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود فأسند إليه خلالها العديد من المهام التي أنجزها خير إنجاز. استمر، رحمه الله، في عمله أثناء فترة حكم الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله مؤدياً عمله بكل تفان وحب، ثم تابع أداء أعماله بكل جهد وإخلاص في حكم الملك خالد، رحمه الله، حيث كان أحد الأصفياء المقربين من الملك خالد لتفانيه وإخلاصه في حب دينه ووطنه وولاة أمره فكان يعتمد عليه في إنجاز وتنفيذ مهمات الملك الخاصة في إصلاح ذات البين، وكان يرافقه في رحلاته وتنقلاته العديدة. وبعد وفاة الملك خالد، رحمه الله، تابع عميد أسرة آل صقر العطاوي أداء عمله في فترة حكم الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله فكان كذلك من المرافقين للملك في أمنه الخاص وأسندت له العديد من المهام التي قام بها خير قيام مثابراً مجاهداً مخلصاً في عمله حتى تولى الملك عبدالله بن عبدالعزيز مهام الحكم أطال الله في عمره ومتعه بالصحة، فكان كما السابق أحد رجال حرسه الخاص المخلصين الأمناء حتى وافته المنية بعد مسيرة حافلة بالعمل والإنجاز لما يزيد عن الستين عاماً طيلة فترة ملوك خمسة حكموا هذا الوطن الكريم المعطاء. لقد وهب الله عز وجل لأخي مشعل، رحمه الله، سجايا نادرة من الصبر والمثابرة وطول الأمل, فقد كان دائم الاستبشار فلم تكن الابتسامة تفارق محياه، وكان طاهر القلب نقي السريرة محبوباً من أهله وإخوانه ومعارفه ولطالما تحلقوا به وهو يبادلهم الحديث ويسرد لهم السير العطرة المؤثرة النادرة ويمدهم بخبرته وعلمه خلال مسيرته الحافلة الطويلة المفعمة بالإنجاز والعطاء مع الملوك الخمسة الذين خدمهم ولازمهم طيلة فترة حياته، لقد كان رحمه الله معروفاً لدى الكثير من أصحاب السمو الملكي الأمراء والوزراء ورجال الدولة والمسؤولين وتجار و كبار رجال المملكة، ولقد حضر لتشييع جنازته وتعزيته الكثير من محبيه من الأمراء والمشايخ وجمع غفير من المواطنين الذين قدموا تعازيهم وترحموا عليه وفجعوا لرحيله وفقدانه مستذكرين ومشيدين بسيرته وسريرته ومسيرته الحافلة العطرة. خلف أخي الراحل عميد أسرة آل صقر العطاوي أبا سعود رحمه الله خمسة من الأبناء، توفي اثنان منهم في وقت مبكر من حياته وبقي ثلاثة من أبنائه هم: سعود وعبدالله ومحمد، وقد داهمته ظروف بالغة القسوة في أواخر حياته رحمه الله وقد بلغ من السن مبلغه حيث توفي إبنه الأصغر محمد إثر نوبة قلبية وبعد زمن وجيز توفي حفيده وليد بن محمد اثر حادث سير اليم، ولم يكد يفرغ من مصابه الجلل حتى وافت المنية زوجته أم أبنائه، توالت النوائب المدلهمة به تباعاً فتركت في نفسه وقلبه اثراً ظاهراً فأصيب بمرض في قلبه وخضع على إثر ذلك للجراحة، كان رحمه الله مع كل تلك النوائب التي ألمت به صابراً محتسباً مبتسماً يقابل الناس بصدر رحب مع ما كنت ألحظه عليه من حزن دفين في أعماق قلبه حتى وافته المنية، وهو صابر محتسب راض بقضاء الله وقدره وكأن الله قدر له ذلك ليثيبه وليلقاه وقد كفر عنه خطاياه فلا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده أو في ماله أو في ولده حتى يلقى الله سبحانه وما عليه خطيئة، كما قال رسولنا الكريم، عليه أفضل الصلاة والتسليم. رحمك الله أخي العزيز مشعل رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته، وأجزل لك في الرضى والإحسان، وأسأله تعالى أن يجمعنا بك ووالدينا في جنات النعيم، كما اسأله تعالى أن يجعل ابنه سعود خير خلف لخير سلف، وأن يحذو حذو أبيه وأن يلهمه الصبر والسلوان .. (و إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).