في عام 2007م عثرت أوديسي على بغيتها. أوديسي اسم شركة وسفينتها، وهذه السفينة تخصصت في البحث عن الكنوز الضائعة أسفل البحار، وغني عن القول إن هذه مهمة عسيرة وشبه مستحيلة نظراً للحجم الهائل للمحيطات والبحار والتي أعْجَزَت حتى تقنيتنا المعاصرة، لذلك يندر أن تقع هذه السفن على شيء ذي قيمة، غير أنه في تلك السنة وقعت أوديسي على ثروة تاريخية هائلة، وهي»نويسترا سينيورا دي لاس ميرسيدس». هذا اسم سفينة حربية كانت تتبع المملكة الإسبانية وتناوشت مع البحرية البريطانية عام 1804م وكان مصيرها الغرق قبالة سواحل البرتغال، ورغم أنها سفينة حربية إلا أنها تخصصت أيضاً في نهب كنوز الأمم الأخرى كما كان دأب إسبانيا والتي أبادت أمماً كاملة لتنصيرها وسرقة أموالها، فكان في هذه السفينة ثروة ضخمة من العملات المعدنية، وغابت السفينة في ظلمات البحر بمن فيها وما فيها، وظلت حبيسة الأعماق مائتي سنة حتى وجدتها سفينة أوديسي أخيراً بعد بحث تكلّفت فيه الشركة مليونين ونصف المليون دولار، فوجدوا سبعة عشر طناً من نقود الفضة، وهي ثروة قيمتها أكثر من نصف مليار دولار، غير أن الشركة الأمريكية التي حاولت الاستحواذ على النقود خسرت معركة قضائية لبثت سنيناً ضد الحكومة الإسبانية التي قالت إن الكنز مُلك لإسبانيا، والقانون البحري الدولي يقضي بأن حطام أي سفينة تغرق أثناء عملها في وقت الحرب فإنها ومحتوياتها مُلك للدولة، فظفرت إسبانيا في النهاية بتلك الثروة التاريخية المدهشة. كَشفٌ مبهر، لكن بعض أثمن الكنوز ليست أموالاً ولا ذهباً. في آخر الثمانينات من القرن الماضي اكتشف منقبون سفينة يونانية قديمة يعود عمرها لألفي سنة، وأثناء تأملهم مشدوهين لبقاياها وما حوته من آثار لفت انتباههم علبة صفيحية، ففكوها ووجدوا داخلها حبوباً خضراء، وبعد أن قلّبوها وتأمّلوها لم يعرفوا ماهيتها وأحالوها للمختصين، وفي عام 2010م تمكن العلماء أخيراً من معرفة طبيعتها، فقد غاصوا في قاعدة بيانات تحوي كل المواد المعروفة وقارنوا الحمض النووي للحبوب بما عندهم من المعلومات واكتشفوا أن الحبوب أدوية من صنع قدماء اليونانيين، وتتكون الحبة الواحدة من مزيج من الجزر والبقدونس والكرفس والملفوف والبرسيم والبصل البري. ما هو أكثر تشويقاً بالنسبة لي هو أن هذه الوصفة الطبية مطابقة لبعض النصوص القديمة التي تصف حال اليونان، وكان منها تلك الوصفة الطبية والتي وصفت كل تلك المواد بدقة، وهذا كان نصراً علمياً لعلماء التاريخ لأنه أظهر صحة بعض النصوص التي تعود لأحقاب قديمة والتي ذكرت تلك الوصفات. من يقع على كنوز الذهب والفضة السالفة يقع على شيء رائع بديع، ولكن الكنوز التاريخية - مثل تلك الوصفات الطبية - لا تقل شأناً وتشويقاً عنها، بل إنها كثيراً تقص قصة أجمل.