إن اللقاءات والندوات التي تنظمها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لكراسي البحث في المملكة تتصدى لمناقشة كافة القضايا والموضوعات ذات الصلة بواقع ومستقبل كراسي البحث بالجامعات السعودية، بحضور نخبة متخصصة في مجال كراسي البحث بالجامعات السعودية، وبعض كراسي البحث المرموقة عالمياً، للاستفادة من خبراتها وتجاربها من ناحية، ولتعزيز التواصل العلمي والإنساني من ناحية أخرى. تجدر الإشارة إلى أنّ فكرة إنشاء كراسي للبحث العلمي بالجامعات السعودية، مثلت خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تطوير منظومة البحث العلمي في المملكة بشكل عام أسوة بدول العالم المتقدم. ولعلِّي أشير إلى أن هذه الفكرة تُعنى في المقام الأول بربط منظومة البحث العلمي باحتياجات المجتمع، بحيث يرتبط البحث العلمي بشكل مباشر باحتياجات المجتمع ويستجيب لها. ومن المهم القول، إنّ مما دعا جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى تبنِّي هذه المبادرة أعني مبادرة إقامة وتنظيم اللقاءات والندوات لكراسي البحث في المملكة والتي تُعَد الأولى من نوعها، هو طبيعة ما تواجهه هذه الكراسي من تحدّيات يمكن تصنيفها إجمالاً وفقاً لعدة محاور منها: التحدّيات التي تتعلّق بمدى وضوح المفهوم وتحديد الهدف، والتحدّيات ذات الصلة بضعف التمويل أو عدم توافره في بعض الأحيان، مما يهدّد استمرارية هذه الكراسي البحثية في تحقيق أهدافها المرجوة، إلى جانب عدد من التحدّيات العلمية والمجتمعية، من بينها عدم التحديد الدقيق للأوليات البحثية التي يجب أن تتصدى لها هذه الكراسي، إلى جانب ضعف التواصل مع العالم الخارجي، وعدم إقامة توأمة وشراكة حقيقية مع كراسي بحثية مناظرة من دول العالم المختلفة، وتكرار أو تداخل اهتمامات عدد من الكراسي المقامة في الجامعات السعودية، وقد أفضت هذه التحدّيات مجتمعة إلى أن تفكر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في اتخاذ هذه المبادرة الهامة وإقامة اللقاءات والندوات المستمرة، مستهدفة توفير مناخ علمي مواتٍ يناقش فيه المجتمعون سبل مواجهة هذه التحدّيات، وطرح رؤى واقعية تستهدف توجيه هذه الكراسي لتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها كراسي البحث في الجامعات السعودية. إنّ كراسي البحث بالجامعات السعودية ينتظرها مستقبل مشرق، غير أنّ ذلك رهن بتوافر شروط رئيسية ثلاثة: الأول يتعلّق بالتقويم العلمي الموضوعي المستمر لأداء هذه الكراسي وممارسة القائمين عليها لفضيلة النقد الذاتي. مع ضرورة تطوير الجهات المعنية بهذه الكراسي معايير ومؤشرات جادة لتقويم معطيات هذه الكراسي بشكل دوري، أما الشرط الثاني فيتعلق بمدى قدرة هذه الكراسي على معالجة القضايا الهامة والملحّة التي تشغل المجتمع السعودي، خاصة المستقبلية منها. أما الشرط الثالث والأخير فيتعلّق بتوافر النية الصادقة والإرادة الواعية والقدرة والكفاءة العلمية للقائمين على أمر هذه الكراسي، وهو الأمر الذي نحسب أنه هو الحال. وإذا توافرت هذه الشروط الثلاثة ابتداءً يصبح الحديث حول مستقبلها المشرق واقعاً عملياً بإذن الله تعالى، وليس مجرّد أمنيات تفتقر لما يدعمها من شواهد عملية على أرض الواقع. ولقد اتسعت دائرة الإنجازات التي حققها برنامج كراسي البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية خلال العام الماضي لتشمل البحوث التطبيقية والتأليف والترجمة ونشر الكتب والدراسات والرسائل العلمية، إلى جانب دعم طلاب الدراسات العليا واستقطاب الأساتذة الزائرين العرب والأجانب المتميزين في مجالات اهتمام هذه الكراسي للاستفادة من خبراتهم ومعارفهم. وبحسب التقرير السنوي الذي أصدرته الأمانة العامة للبرنامج فقد شهد العام الماضي تواصل الخطوات الريادية لبرنامج كراسي البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على مختلف الأصعدة التخطيطية والتنظيمية، فضلاً عن تواصل الأنشطة العلمية والبحثية للكراسي القائمة وإنشاء كراسي جديدة, مفيداً أن البرنامج حقق الريادة على المستويين المحلي والخارجي لتعزيز مكانتها بوصفها جامعة سعودية شاملة ذات رؤية عالمية تسعى بخبراتها وإمكاناتها إلى دعم الحراك العلمي العالمي الهادف إلى خدمة الإنسانية بالأبحاث المميزة والرؤى المعتدلة. وتناول التقرير جهود أمانة البرنامج وإسهامها في تجسيد رؤية عمل البرنامج تحت إشراف ومتابعة مجلس كراسي البحث فيما يخص المهام التنظيمية والتنفيذية مثل الإشراف على إعداد مسودة مشروع القواعد المنظمة لاستثمارات البرنامج ومعطيات الكراسي البحثية وإصدار الحساب الختامي والتقرير السنوي للبرنامج. علماً أن الجامعة أنشأت على مدى خمسة أعوام كراسي بحثية كثيرة وقيمة شملت مختلف التخصصات: الشرعية، والاقتصادية، والاجتماعية والإنسانية التطبيقية ولا تزال إنجازات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تتوالى يوماً بعد يوم، لتحقق بذلك تطلعات قيادة هذه البلاد المباركة حفظهم الله وتقدم كل ما فيه خير ونفع للعباد والبلاد، فبارك الله بهذه الجهود وتلكم الأيادي.