لعبد العزيز الخويطر جوانب كثيرة مشرقة ومضيئة، لكنه معروف على مستوى الإدارة، أكثر منه على مستوى الأكاديمية. والسبب أنه قضى في الإدارة الحكومية زمنا أكثر مما قضاه في السلك الأكاديمي. يعرفه الجميع بأنه الإداري الصارم المنفذ للأنظمة بحذافيرها، وبعضهم يتهمه بالتعقيد. لكن هؤلاء لا يعرفون شخصية الخويطر التي يختلط فيها الانضباط الأكاديمي بالانضباط الإداري فيتكون من ذلك نمط قد لا يعرفه الإداريون وحدهم ولا يعرفه الأكاديميون وحدهم. تعاملت معه أكاديميا وتعاملت معه إدارياً فلم أجد مشقة في إقناعه بما رأيته مطلوبا للجامعة، كما لم أستنكر ما يبدي رأيه فيه بعدم القبول فقد كانت الروح السائدة بيننا تقوم على قواعد أكاديمية، وعلى أسس منهجية مع أخذ البعد الإداري في الحسبان، ولذلك ما أسرع ما كنا نتفق على الأمور قبولا أورفضا. لذلك فإن من لم يفهموا عبد العزيز الخويطر نظروا إليه بمنظار واحد. أكاديمياً لم يكتب عن الخويطر إلا أنه كان وكيلا للجامعة بصلاحيات أقرب إلى المدير. لكن الذي لم يكتب عنه حتى الآن هو أن عبد العزيز الخويطر عندما تسلم الجامعة كانت جامعة تقليدية طموحها أن تكون شبيهة بالجامعات المصرية. ومما لا شك فيه أن الدكتور الخويطر كان يطمح إلى التطوير لكن التطوير كان يحتاج إلى رؤية ورجال. لذلك عندما وصلت إلى الجامعة دفعة مبكرة من الشباب المتحمسين، الذين عاشوا التجارب الأكاديمية الغربية واستوعبوا كثيرا من الأسس والمنطلقات التي تجعل من الجامعات جامعات متقدمة كان ترحيبه بهم كبيرا وثقته بهم عالية. لم يقف في وجه أي فكرة بناءة، ولا أي مشروع علمي فيه مصلحة العملية التعليمية أو الإدارية في الجامعة. وبذل في سبيل ذلك ما يستطيع من جهده ومما توفره ميزانية الجامعة. جاء هؤلاء الشباب الدكاترة وفي أذهانهم طموحات عدة استمدوها مما عايشوه من أنواع الحياة الأكاديمية في الغرب، جاؤوا وقد أدهشتهم، طرائق التفكير والتدريس، وثراء المواد، وكيفية تنفيذ البحوث العلمية، وسعة المكتبات واستعداداتها الكبيرة بحيث أنك تستطيع استعارة الكتاب من أقصى بلاد العالم، بهرتهم الجمعيات العلمية، والمجلات المحكمة الشهيرة التي تنافس على مستوى العالم ، والمشروعات العلمية الكبيرة، والمتاحف العلمية في الكليات وغير ذلك. قام هؤلاء الشباب بتقديم المشروعات المختلفة التي كانوا يظنون أنها تصب في صالح تطوير الجامعة ووضعها ضمن الجامعات المتقدمة. وشملت الاقتراحات تطوير المناهج الجامعية، وفتح الأقسام الجديدة وإنشاء الجمعيات العلمية، والمتاحف العلمية والقيام ببعثات التنقيب في مناطق من المملكة، وتطوير مكتبة الجامعة، وغير ذلك مما يطول شرحه. استقبل الخويطر ما قدمه هؤلاء أفراداً أو مجتمعين بكل ترحاب، ووضع يده في أيديهم، وشجعهم على العمل والجهد، فتفانوا في سبيل ذلك دون تكاليف مادية شخصية، بل إن بعضهم قد أسهم بشيء من ماله من أجل إنجاح مشروعه. خرجت في عهده بعض الأعمال إلى الوجود، فأنشئت جمعية التاريخ والآثار، وأنشئت جمعية اللهجات والتراث الشعبي، (وقد احتفى بها شيخنا حمد الجاسر في إحدى افتتاحيات العرب، وتبعهما إنشاء متحف الآثار وبدء الحفريات الجادة في موقع الفاو، وإنشاء أول متحف رسمي للآثار في المملكة، وأول متحف رسمي للتراث الشعبي في المملكة، وكان الخويطر سعيداً بهما كل السعادة. وخرجت في عهده مجلة كلية الآداب وهي أول مجلة علمية محكمة في المملكة. وكثير من المشاريع التي كانت أفكاراً في عهده أينعت وآتت ثمارها بعده. كان الخويطر أستاذاً متميزاً، لا يكتفي بإلقاء الدرس وحسب، وإنما كان يحرص على مشاركة الطلاب فيه والنقاش حوله. وأذكر أنه حدثنا مرة عن تجربة له أجراها في الفصل عن صدقية الرواية الشفهية، فقد قص على الطلاب حادثة تاريخية مطولة وطلب منهم الاستماع جيدا، ثم طلب من كل واحد منهم أن يكتب الحادثة بأسلوبه كما وعيها. فكانت النتيجة غريبة إذ تفاوتت تفاصيل هذه الحادثة بين هؤلاء الطلاب، واستنتج من ذلك مقدار ما يمكن أن تتعرض له حوادث التاريخ من تشويه. أما جهوده في البحث العلمي فقد كانت كتبه وتحقيقاته أصيلة يحرص فيها على خدمة التراث الوطني للمملكة العربية السعودية، ومما لا شك فيه أنه عميد المؤرخين السعوديين لتاريخ المملكة في هذا الشأن. جوانب الحديث عن الخويطر كثيرة، قد يتحدث عنها معظم الكتاب، لكنني اخترت هذا الجانب لأنه جانب يلامس المعايشة مع الخويطر أكاديمياً وإدارياً وهو موضوع قد لا يتطرق إليه الكثيرون. رحم الله أبا محمد فقد كان فذا، في علمه و إدارته، وخلقه وتعامله، تغشاه الله بالرضوان، وأسكنه فسيح الجنان.