الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فقد وصف الله تعالى هذه الأمة بأنها خير أمة أُخرجت للناس؛ تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، وتدعو إلى الخير. كما وصفها بأنها أمة وسط. ومن هذه الصفات تتضح معالم المنهج الإسلامي الذي ينبغي على المسلمين ترسمه والتزامه إلى قيام الساعة. ولن تتحقق لهم الخيرية إلا بالعلم والإيمان والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل ذلك على بصيرة ووسطية، دون غلو أو جفاء؛ لذا خص الله سبحانه أمة الإسلام من بين الأمم بأكمل الشرائع وأقوم المناهج كما قال سبحانه {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}. والوسط يعني العدل والخيار والأجود كما ذكر ذلك ابن كثير وغيره من المفسرين. قال الشيخ السعدي: «وما عدا الوسط فأطراف داخلة تحت الخطر». وهذه الصفات التي أشرنا إليها في وصف هذه الأمة ما يجب أن يتوخاها المسلمون في اعتقاداتهم وأقوالهم وأعمالهم على مستوى الأفراد والجماعات؛ ليتحقق لهم الصلاح والإصلاح، قال تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}. ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها كما قال الإمام مالك - رحمه الله. والتنكب لهذه المعاني من قِبل الأفراد أو الجماعات هو اتباع لسبل الأمم التي حذرنا الشرع من اتباع سبيلهم كما في قوله سبحانه {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. وما حمل الأمم السابقة على التفرق والاختلاف إلا المبالغة والغلو أو التفريط والجفاء، وكذلك يقع الاختلاف والتفرق في هذه الأمة أيضاً. وفي الوقت الراهن الذي تتابعت فيه الفتن كتتابع القطر، وغلبت فيه الأهواء على الديانة والعقل عند كثير من الناس إلا من رحم الله، نحتاج لتكرار التوكيد على تلك المعاني والأصول، فلا مخرج من الفتن إلا بالاعتصام بكتاب الله تعالى وسُنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والتزام المنهج الذي قرره القرآن الكريم، وكان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والسلف الصالح، دون إفراط أو تفريط، بأصوله الثابتة من التزام العقيدة الصحيحة والسُّنة القويمة وجماعة المسلمين وإمامهم، والحذر من الفُرقة والاختلاف والأهواء، ومراعاة المصالح الكبرى وفقه الأولويات، والالتزام التثبُّت والتروي والرفق في كل الأمور. فما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه، وترويض النفس على التزام ذلك، والصبر والمصابرة في التمسك به مهما كانت الصوارف، ومهما كثر المنصرفون عنه، وذلك عين الحكمة {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}. فهذه الأصول والقواعد المنهجية يجب أن يتوخى العمل بموجبها المسلمون جميعاً، وتتأكد في حق أهل العلم والدعوة والحسبة بخاصة؛ لتسنمهم مقامات شرعية شريفة؛ يجب رعايتها، والمسؤولية فيها أكبر من المسؤولية في غيرها. وفي هذا السياق أشيد بما تقوم به الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ممثلة في وحدة الأمن الفكري، من جهود تهدف إلى تعزيز الأمن الفكري الشامل، وتأهيل منسوبي الرئاسة للقيام بواجبهم الشرعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمعالجة الشرعية لطرفَيْ الانحراف عن المنهج السوي غلواً أو جفاءً. وقد سرَّني ما أطلعتني عليه الإدارة العامة للإعلام والعلاقات العامة بالرئاسة من تعريف بوحدة الأمن الفكري، وتضمَّن عدداً من البرامج المتنوعة، التي من شأنها أن تسهم - بإذن الله - في تحقيق التوعية المناسبة بالمنهج الشرعي الصحيح. وفي الختام أسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح، وأن يبارك في تلك الجهود والبرامج، ويثيب القائمين عليها، ويوفقهم جميعاً لما يحبه ويرضاه، إنه قريب مجيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.