في فجر يوم الأربعاء 8-7-1435ه جلست أرقب الساعة حتى وصلت إلى السادسة والنصف؛ فنهضت، وامتطيت مطية حاجتي إلى عاملة منزلية من الفلبين. أمسكت رسن المطية، وقدتها إلى مكتب الاستقدام في مدينة الرياض، وليتني تركت لها حبلها على غاربها لتحط بي عند مكتب الاستقدام في محافظة شقراء كما عودتها، لكنها إرادة الله، وفيما أراده الخير: إذا قضى الله فاستسلم لقدرته فالمرء حيلة فيما قضى الله لم أجد موقفاً عند المكتب؛ فاضطررت إلى الدخول في الشوارع الفرعية في حي (الملز)، وفي هذا ما فيه من التعب وشدة النصب وضياع الوقت. وصلتُ بالسلامة إلى باب المكتب الخارجي ففوجئت بجمع غفير من المراجعين من السعوديين والمقيمين، من المدنيين والعسكريين، شباباً وشيوخاً، موظفين ومتقاعدين، كل يلهث وراء مقصده، منهم من يريد الاستقدام، ومنهم من يريد توثيق وكالته، ومنهم المقيمون الذين تتعدد وتتباين حاجاتهم. جمع غفير كسيل يتدفق في وادٍ ضيق. لقد كنا بالعشرات، وبعد دقائق معلومات كنا بالمئات، تجمعنا الحاجة، وتفرقنا أنانية بعضنا وحبهم لذواتهم. انبرى شاب مهذب بأخلاقه، منمق بهندامه، لطيف بتعامله، أحسبه على حظ وافر من الثقافة والعلم، فأحسن صنعاً حينما سجَّل أسماء المراجعين حسب حضورهم، لكن الفوضى والجهل والأنانية العمياء إلا عن طريق مصلحتها هدمت في ثانية واحدة ما بناه هذا الشاب في أكثر من ساعة. فحينما حضر العسكري المكلف بالنظام طلب منا أن ندخل واحداً تلو الآخر كما في البيان المسجَّل. رحبت الأكثرية بذلك، لكن بعض المتأخرين في الحضور الذين كانت أسماؤهم في ذيل القائمة ركنوا إلى الفوضى. فقد رأيت بأم عيني شاباً مكتنزاً لحماً وشحماً طويل القامة قوي الساعدين عريض القفا والمنكبين، سحب الباب بقوة جنونية فانفرط عقد النظام، وسادت الفوضى، وتحكمت في الوضع بعقل جماعي فوضوي، فتسابق المراجعون على الحصول على الأرقام التي تؤهلهم للدخول على المسؤولين. لقد دخل الجميع في حيص بيص، وانقلب النظام رأساً على عقب، وتسلل المتأخرون تحت غبار الفوضى وظلام الأنانية إلى مقدمة المتسابقين إلى الأرقام ففازوا بالسبق. أما نحن المتقدمين الملتزمين بالنظام المسجلين أسماءنا حسب أولوية حضورنا فقد حطت بنا الفوضى في مؤخرة الركب، فكانت الأرقام المتأخرة من نصيبنا. لقد فكرت في نصيحة هذا الشاب الفوضوي، لكن خوفي منه عقد لساني عن نصيحته. إنها صورة لا تسرُّ الناظرين، بعيدة كل البُعد ومتخلفة عن مكانة المملكة ومستوى رقيها وتقدمها؛ يجب أن يجتثها من جذورها سيل التغيير إلى الأفضل وأمواج التقدم الحضاري الذي تعيشه المملكة اليوم. وإن كان لي من ملاحظات على هذه الصورة، مبعثها الغيرة وحب الوطن، فإني أرى ما يأتي: 1- أن تجمهر المراجعين بهذا العدد الكبير على شارع حيوي من أهم شوارع العاصمة غير لائق وغير حضاري، وله من السلبيات ما يدركه المحب لهذا الوطن الغيور على مصالحه من المسؤولين وغيرهم، فلا يصلح بحال من الأحوال أن تبقى هذه الصورة بسلبياتها تتكرر مع طلوع شمس كل يوم. 2- أن المواطن الذي قد دفع قيمة (الفيزة) يعاني الأمرين؛ فالشمس محرقة، والزحمة مقلقة، والوقوف على قارعة طريق مزدحم بالسيارات مصدر خطر يحدق به. 3- أن يكلَّف ثلاثة من الموظفين بخارج دوام يومي. وإن هذا - في نظري - سيحل المشكلة حلاً جذرياً، ويقضي على الصورة التي لا تليق بمكانة هذا الوطن وما وصل إليه من التقدم. 4- أن تفتح الوزارة فروعاً للاستقدام كما فعلت في الأحوال المدنية؛ لتمسح الصورة من اللوحة المشرقة لهذا الوطن. 5- أن نستفيد من تجارب من سبقونا في هذا المجال، فقد سمعت من بعض المراجعين الذين أطلقوا ألسنتهم بما لا يليق أن الفيزة والإقامة في بعض دول الخليج تُستخرج في خمس دقائق بواسطة أجهزة التقنية، والعهدة على الراوي. 6- وهو الأهم: أن حكومتنا الرشيدة - وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو ولي ولي العهد وسمو وزير الداخلية - حريصون كل الحرص على إنجاز مصالح المواطنين والمقيمين، ويحثون المسؤولين على ذلك، ويزيلون العقبات والعوائق التي قد توجَد في طريق هذا المطلب الملحّ. 7- أن الحل توأم للمشكلة، وُلد معها، وعاش في عقر دارها؛ ذلك لأن فناء مكتب الاستقدام يتسع لأكثر من ألف مراجع؛ فحبذا لو زُوّد هذا الفناء بمجموعة من الكراسي مرقَّمة، وفُتح بابه الخارجي ليدخل المراجعون، ويجلسوا على هذه الكراسي، ويحفظ كل واحد منهم رقمه على مشهد من الجميع؛ فيرتاح المراجع، ويضطر إلى الخضوع للنظام، ويرتاح الموظفون، ويؤدون واجبهم، ويتضاعف إنتاجهم. هذه ملاحظات واقتراحات متواضعة، سجلتها بماء حب الوطن والإخلاص على صفحات سجله المشرق المليء بالإنجازات الخيّرة، آمل أن تصل إلى مقام صاحب السمو الملكي وزير الداخلية - حفظه الله وسدد خطاه. وفي الختام، باسمي وبأسماء المراجعين أتقدم بالشكر الجزيل والتقدير والاحترام للقائمين على هذا العمل، وعلى رأسهم مدير المكتب، لصبرهم ومثابرتهم وتعاملهم الراقي. وفَّق الله الجميع لما فيه مصلحة هذا الوطن ومواطنيه.