يحدث أحيانًا أن الآثار الجانبية لبعض الأدوية، تفوق آثار المرض نفسه، حدث هذا يوم كشف طبيب لأحد المرضى أن العلاج الذي وصفه له إثر نوبات ارتجاع مريء تعرض لها، يتسبب بعد فترة في خلل في وظائف الكبد، يشبه هذا إلى حد بعيد السياحة العلاجية للسعوديين التي أصبحت تكبدهم مبالغ طائلة، في وقت نجحت فيه دول شقيقة في أن تصنع من أرضها وجهة لهذا النوع من السياحة، فتحوّلت المليارات الصادرة في الإنفاق عليها، إلى وارد يضاف إلى ناتجها القومي، في وقت ما زال فيه ملايين السعوديين تسجل تحت بند الصادر. وطالب خبراء سياحة ومسؤولون طبيون بتشجيع السياحة العلاجية في السعوديَّة، وتوفير التسهيلات والحوافز المطلوبة لهذا القطاع، والقضاء على معوقات نموه، بهدف الحصول على حصة من السوق العلاجية الخليجيَّة، بل يذهب بعضهم إلى القول: إن نسبة السياحة العلاجية في المملكة تلامس الصفر، نظرًا إلى ضعف البنية التحتية، وعدم توافر الخدمات والتسهيلات، وارتفاع تكلفة تقديم الخدمات الطّبية، مقارنة بدول تقل إمكاناتها عن السعوديَّة. وعد مختصون القيمة العلاجية المنخفضة التي تقدمها بعض الدول في العلاج، وخروج الكفاءات الطّبية المميزة من المملكة، من أكبر التحدِّيات التي تواجه الصناعة السياحيَّة العلاجية فيها، حتَّى يكون في وسعها الفوز بحصة من عوائد السياحة العلاجية العالميَّة التي تتجاوز 100 بليون دولار، يسهم الخليجيون سنويًّا بأكثر من 12 بليون دولار منها على رحلاتهم الخارجيَّة. وتشير إحصاءات إلى أن منطقة دول مجلس التعاون الخليجي مرتبة متقدِّمة في تعداد السياح الوافدين على دولة مثل جمهورية ألمانيا الاتحادية، حيث يتجه مواطنو الخليج بشكل متزايد للسفر إلى ألمانيا من أجل العلاج. بل شهد عام 2011 تحطيم رقم المليون ليلة من قبل المسافرين من منطقة الخليج العربي إلى ألمانيا. كما شهدت الشهور الثلاثة الأولى من العام التالي 2012 تسجيل زيادة أخرى بنسبة 15.5 في المئة مقارنة مع نفس الفترة من 2011م، حيث تَمَّ تسجيل 185.074 ليلة قضاها المسافرون القادمون من دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة من يناير إلى مارس 2012 مقابل 160.237 ليلة خلال نفس الفترة من العام 2011م. ووفقًا لبيانات المستشفيات والعيادات في ألمانيا، فإنَّ دول الخليج العربي تعد من بين أسواق المصدر الرئيسة، إِذْ تُظهر إحصاءاتها أن المستشفيات الألمانية قد قامت في عام 2010 بعلاج حوالي 4200 مريض من دول الخليج العربي. حسابات جديدة وأصبحت السياحة العلاجية فكرة اقتصاديَّة رابحة، إِذْ أحيانًا يتجه المريض إلى مركز معروف عالميًّا ليجرى جراحة ما بتكلفة أقل كثيرًا من تلك التي يضطر إليها في بلاده يرافقه دائمًا مرافق يطمئن على أحواله ويتولى الاهتمام بكلِّ شؤونه ويترجم له حديث الأطباء ويسأل نيابة عنه عن كل ما يشغل باله. إذا ما انتهى من العلاج أو الجراحة يبدأ برنامجًا سياحيًّا وفقًا لرغبته لزيادة معالم البلاد السياحيَّة أو الاستجمام في أماكن خاصة تتيح الراحة والاستمتاع بجمال الطّبيعة. لذا لم تعد فكرة السفر للعلاج رفاهية يتمتع بها القادرون على السفر إنما أصبحت قرارًا لمن يبحث عن علاج أقل كلفة مقارنة بتكاليف العلاج في بلاده. وأصبح للسياحة العلاجية خريطة عالميَّة يحفظها جيّدًا الجميع يقصد الأمريكانالمكسيك بينما تايلاندوالهند وماليزيا هي وجهة الآسيويين. أما الصين فتخصصت في زراعات الأعضاء خاصة الكبد. عدد كبير من المرضى الروس يتجهون إلى ألمانيا كذلك يفعل الخليجيون أما أثرياء الأفارقة فغالبًا ما يتجهون إلى فرنسا في حين يقصد سكان أمريكا اللاتينية الجزء الأقرب إليهم من الولايات المتحدةالأمريكية ولاية فلوريدا ميامي. الأشقاء على الدرب وفي وقت يستأثر فيه السعوديون بقوائم المغادرة إلى عواصم العالم للاستشفاء، نجح أشقاء في تسجيل اسم بلادهم ضمن وجهات الوصول لطالبي الاستشفاء حول العالم، إِذْ قُدرت قيمة سوق السياحة العلاجية العالميَّة في الإمارات بنحو بليوني درهم عام 2013. وتستقبل الإمارات أكثر من 4 ملايين مريض سنويًّا، كما أنها تصنَّف ضمن قائمة الدول ال20 الأعلى في العالم على صعيد إنفاق الفرد على خدمات الرِّعاية الصحية. ويُتوقَّع نمو قطاع السياحة العلاجية في الإمارات بنسبة 15-20 في المئة سنويًا، وأن يصل حجم الإنفاق على القطاع الصحي في دولة الإمارات العربيَّة المتحدة ما بين 80-100 مليار درهم بحلول 2020م، وتحتل دولة الإمارات العربيَّة المتحدة مراكز متقدِّمة في تصنيف الوجهات السياحيَّة العلاجية على الصعيد العالمي في توفير العناصر المهمَّة للنهوض بقطاع الرِّعاية الصحيَّة بما فيها الخبرة المميزة للطاقم الطّبي وقدرة المريض على تحمل التكاليف وفترات الانتظار القصيرة نسبيًا. أما الشقيقة الأردن ففازت بجائزة أفضل مقصد للسياحة العلاجية لعام 2014 وفق مسابقة نظمتها صحيفة السفر العلاجي الدوليَّة ومقرها لندن. ورشحت الأردن لهذه الجائزة من خلال ملف تقدمت به جمعية المستشفيات الخاصَّة ليتنافس مع عدد من دول العالم التي تقدم خدمات السياحة العلاجية وفق رئيسها الدكتور فوزي الحموري. وحصلت الأردن على هذه الجائزة من قبل هيئة تحكيم دوليَّة مكوَّنة من حكام عدَّة دول منها بريطانياوأمريكا وماليزيا وألمانياوالإماراتوتايلاند والفلبين، ومن المعايير التي اعتمدت لهذه الجائزة: مستوى جودة الخدمات المقدمة في المستشفيات الأردنية وحصولها على الاعتمادية الدوليَّة وسهولة دخول المرضى للمملكة وتوفير سبل الراحة بما فيها الاستقبال الجيد في المطارات والمعابر الحدودية وتنافسية والكلفة، وكذلك إعداد المرضى القادمين للعلاج وسهولة الحصول على الخدمة من حيث سرعة توفير الخدمة الطّبية من دون الحاجة للانتظار لفترات طويلة، بالإضافة إلى توفر الأجهزة الطّبية المتطورة بكثرة. وتقوم الجمعية والمستشفيات الخاصَّة الأردنية التي يبلغ عددها 63 مستشفى بالدور الأكبر في استقطاب المرضى العرب والأجانب، إِذْ تعالج مستشفيات القطاع الخاص نحو 95 بالمئة من هؤلاء المرضى. وتقوم الجمعية بمشاركات ترويجية خارجية بمعدل 12 نشاطًا خارجيًّا سنويًّا في مختلف دول العالم مع التركيز على الأسواق التقليدية ومحاولة فتح أسواق جديدة. وهناك عدَّة عوامل ساعدت في أن يصل الأردن إلى المستوى العالمي أهمها سمعته الطّبية وكفاءة كوادره الطّبية والتمريضية والفنيَّة وجودة الخدمات الطّبية ومواكبته للتطوّر الطّبي والتكنولوجي، بالإضافة إلى الاستقرار الأمني والسياسي للمملكة، والعلاقات الدبلوماسية الطيبة التي تربطه بمختلف دول العالم، والدور الكبير لوزارة الصحة في التخلص من الأمراض السارية والمعدية، وعامل اللغة والعادات والتقاليد التي تزيد التقارب بين المرضى العرب والكوادر الطّبية الأردنية. ومن العوامل أيْضًا حصول 16 مستشفى أردنيًّا خاصًا وعامًا على الاعتمادية الدوليَّة والوطنيَّة الذي يعد دليلاً على جودة الخدمات الطّبية المقدمة. سباق عالمي ويخوض كثير من دول العالم سباقًا محتدمًا من أجل الفوز بحصة من كعكة السياحة العلاجية في ظلِّ ما وقف الاقتصاديون أمامه من حقائق رقمية في الملتقى الدولي الثاني للسياحة العلاجية الذي عقد في العاصمة الماليزية كوالالمبور، من أن 32.5 بليون دولار هي توقعات قيمة سوق السياحة الطّبية العالميَّة عام 2019 بمعدل سنوي نسبته 17.9 في المئة فيما بلغت قيمة هذه السوق 10.5 بليون دولار عام 2012م. وتقول منظمة الصحة العالميَّة: إن صناعة السياحة العلاجية قد تنامت في أنحاء العالم، وهي تشمل نحو 50 بلدًا في جميع القارات، ويتصدرها بوضوح العديد من البلدان الآسيوية التي يأتي على رأسها الهند وسنغافورة وتايلند، وقد شكّلت هذه البلدان الثلاثة مجتمعة نحو 90 في المئة من حصة سوق السياحة العلاجية في آسيا في عام 2008م. ومن النجوم الصاعدة الآن في سماء السياحة الطّبية هي تركيا ودبى واليونان أطلقت أنقرة برنامجًا يقضى بهدم المستشفيات القديمة وإعادة بنائها وفقًا لمواصفات الجودة الحديثة في بناء المستشفيات وتجهيزها على أعلى المستويات وتخصيصها لاستقبال مرضى السياحة العلاجية هم بالطبع يطمعون في الاستئثار بمرضى الدول العربيَّة خاصة دول الخليج.