تتميز المملكة العربية السعودية بأنها المصّدر «الأكثر موثوقية» من قِبَل الدول المستوردة للنفط، أو من قِبَل الشركات المستوردة للنفط (لنكن أكثر دقة)، فالدول لا تستورد النفط، بل شركات تستورد النفط؛ وغالبية هذه الشركات تتواجد في أكثر من دولة خصوصا شركات تكرير وتسويق وتوزيع النفط العملاقة مثل أكسون موبيل، شيفرون، شل، بي پي، توتال، الخ. يأتي هذا التميز (المصّدر الأكثر موثوقية) لعدة أسباب، أهما أن المملكة الدولة الوحيدة التي لديها المقدرة على زيادة الإنتاج (سريعاً) والذي قد يصل إلى أكثر من 2.5 مليون برميل يومياً في السنوات الأخيرة، أيضا المملكة لديها تاريخ طويل في الإمدادات المستمرة والتي تخطت جميع العقبات والصعوبات التي واجهتها، ويميز النفط السعودي أنه يوفر كثير من أنواع النفط (نفط ثقيل، متوسط، خفيف، خفيف اكسترا، وخفيف سوبر)، إضافة إلى تواجد المملكة في جميع الأسواق النفطية الدولية. ويُنظر أيضاً للمملكة أنها أكبر مصّدر للنفط الخام والمؤثر الأكبر في منظمة الدول المصّدرة للنفط «أوبك». يتساءل الكثير «لماذا لا تكرر المملكة النفط قبل تصديره»! هناك أسباب لعدم تكرير النفط السعودي قبل تصديره، (أولا) من الأفضل اقتصاديا أن يكّرر النفط قريبا من مكان توزيعه، ولذلك تجد الشركات العملاقة (مثل شيفرون و أكسون موبيل) تكرر النفط وتستحوذ على محطات البنزين في نفس المنطقة، وهذا لأسباب اقتصادية تكميلية. (ثانيا) يصعب توزيع مشتقات النفط جميعها وإن كان سهل تسويق البنزين والديزل فقط، يبقى كثير من المشتقات المتبقية صعبة التسويق، (ثالثا) صعوبة تخزين النفط ونقله للخارج عبر موانئ متخصصة، (رابعا) التكرير محليا يحتاج إلى استثمارات عالية لبناء معامل التكرير، فتكون جدوى بناء هذه المعامل صعبة خصوصا أنها لا توفر فرصا وظيفية كثيرة، (خامسا) شركات التكرير العملاقة لا تشتري النفط مكرر، بل تبحث عن النفط الخام، ففي حال عملت المملكة على التكرير، ستخسر هؤلاء العملاء (المميزين) ولا يبقى أمامها إلا التعامل مع الشركات الصغيرة والتي تواجه عدة مشاكل مالية أو تشغيلية أو أمنية. يبقى هناك عامل مهم ويجب ذكره، وهو أن أهم جزء في جدوى إنشاء معامل التكرير اقتصاديا هو تطوير التكنولوجيات لإنتاج مشتقات النفط، فهناك الكثير من التكنولوجيات مثل التكسير الكهيدروليكي hydrocracking لا تطّور ولا تصنع في المملكة، فجميع التكنولوجيات المستخدمة في المعامل الحالية مستوردة من الخارج بالإضافة إلى غالبية بقية مواد المعامل. ولذلك، السبب عائق في تبرير جدوى بناء معامل تكرير لأسباب اقتصادية، بالإضافة إلى أن تلك المعامل لا توفر وظائف كثيرة، فتجد معمل التكرير يكّلف حوالي 30 مليار ريال ولا يوفر أكثر من 1000 وظيفة مباشرة. وفي نطاق آخر، ولمعرفة المزيد عن سياسة تسويق وبيع النفط، فالمملكة تنتج المملكة حوالي 9.6 مليون برميل يومياً، وتسّوق على النحو التالي: أولا – تصّدر المملكة في الفترات الأخيرة حوالي 5.1 مليون برميل يوميا (نفط خام) إلى عدة دول وشركات، ثانيا – تصّدر المملكة 2.4 مليون برميل نفط خام إلى معامل نفط في الخارج والتي تملك المملكة بها حصص (50% في موتيفا في الولاياتالمتحدة، 35% إس أويل في كوريا الجنوبية، 15% شاوا شل في اليابان، 25% في فيوجان في الصين). فالمملكة هنا تستخدم استراتيجية (ضمان المشتري) حيث إن عقودها تشترط شراء النفط من المملكة بالسعر الدولي; وبهذا تكون المملكة ضمنت بيع حوالي 25% من إنتاجها النفطي (30% من الصادرات النفطية)، ثالثا – 1.1 مليون برميل يوميا محليا لمعامل تكرير داخل المملكة بشراكة مع شركات أخرى (35% بترورابغ مع سوموتومو اليابانية، 50% سامرف في ينبع مع أكسون موبيل، 50% ساسرف في الجبيل مع شركة شل); الجدير بالذكر هنا أن النفط يباع على هذه الشركات بالسعر الدولي، أخيرا – 1 مليون برميل يوميا لمعامل تكرير خاصة بالمملكة (رأس تنورة، الرياض، جدة، وينبع). وللمزيد من رفع مستوى التكرير لتلبية الطلب المحلي لمشتقات النفط، تعمل المملكة حاليا على إنشاء 3 معامل تكرير داخل المملكة، ساتورب في الجبيل مع شركة توتال الفرنسية (400 ألف برميل يومياً)، ياسرف في ينبع مع شركة ساينأوبيك الصينية (400 ألف برميل يومياً)، وجازان بدون شريك (400 ألف برميل يومياً). ومع بدء هذه المشاريع، ستصبح المملكة دولة مكتفية ذاتياً بالبنزين والديزل، وستبدأ تصدير الفائض منها للخارج، وهذا متوقع قريبا مع اكتمال تشييد وتشغيل معملي الجب يل وينبع. أخيراً، يجب أن نذكر أن سياسات المملكة في تسويق وبيع النفط ليست بالأمر السهل، فهناك التزامات مع دول «أوبك» بحصص معّينة، وهناك استراتيجيات بالتواجد في الأسواق الدولية بصفة مستمرة وفعالة ومؤثرة (الأسواق الأمريكية والأوروبية والأسيوية)، وأيضا هناك دول تتبنى مصلحة شركاتها مثل الهندواليابان وكوريا فتجد تلك الدول ممثلة برؤساء مجالس وزاراتها يعملون مع الحكومة السعودية على خطط إمدادات نفطية وشراكات متبادلة; فجميع هذه السياسات والاستراتيجيات والبروتكولات تأتي قبل توزيع حصص البيع على الشركات. وأثناء تطوير عقود المبيعات مع الشركات، يراعى تغير الأسعار بين الأسواق الدولية، التنافس الشديد مع الدول المصدرة الأخرى ومع الأسواق غير نظامية، التركيز على الشركات العملاقة حيث تتميز بالوقت والدقة والمدفوعات والتنظيم عامةً، وأخيرا، شبكة المواصلات البحرية وموانئ التعبئة والتحميل.