عندما تمَّت إعادة هيكلة قطاع التأمين في المملكة تحت مظلة مؤسسة النقد في السنوات الأخيرة، كانت التساؤلات تتركز حول جدوى تأسيس عدد كبير جدًا من شركات التأمين وضخ رؤوس أموال كبيرة جدًا بها بالمقارنة مع عدد الشركات ورؤوس الأموال قبل إعادة الهيكلة، إلا أن الإجابات دائمًا (طبعًا في غالبها كانت إجابات متحيزة من قبل أطراف ذات علاقة بشركات التأمين) كانت تتحدث عن فرص كبيرة في القطاع مع توقعات خيالية في النمو المستقبلي لا يتوقعها العقل البشري، كما لو أن قطاع التأمين لم يكن موجودًا في المملكة لأكثر من 40 عامًا تقريبًا. الآن وبعد تأسيس أكثر من 35 شركة تأمين وإدراج بعضها في السوق الماليَّة السعوديَّة كنتيجة لإعادة الهيكلة، يتبيّن للجميع بلا شكَّ أن سوق التأمين في المملكة (بالرغم من نموّه الجيّد عامًا بعد عام) إلا أنّه لا يتحمل هذا العدد الكبير من الشركات ورؤوس الأموال الضخمة المستثمرة فيه، حيث نستطيع اليوم أن نقول: إن هناك 6-7 شركات فقط هي التي تعمل بشكل جيد وفق إستراتيجيات عمل واضحة، بينما نجد بقية الشركات تتخبط بعشوائية في إستراتيجيات عملها وتصارع الخسائر المتراكمة التي تتفاقم عليها عامًا بعد عام إلى جانب تدهور مؤشرات الملاءة الماليَّة المفروضة عليها من مؤسسة النقد. ما يؤكد ذلك أن غالبية الشركات اليوم وبعد سنوات قليلة من بدء نشاطاتها نجدها إما أنها قامت برفع رؤوس أموالها أو أنها في الطريق، وهذا يوضح حاجتها الماسَّة لضخ أموال جديدة من مساهميها بهدف تخفيض نسبة الخسائر المتراكمة لرأس المال ودعم مؤشرات الملاءة المالية. المهم أن ضخ أموال جديدة إذا لم تقابله إستراتيجيات عمل واضحة وناجحة فإنَّ ضخ الأموال الجديدة هذه في واقع الأمر ما هي إلا «محرقة» لرؤوس الأموال أمام الاعتراف بحقيقة أن دراسات الجدوى التي قامت عليها هذه الشركات كانت «ضحك على الذقون» قام بها بعض المستشارين الماليين الذين جمعوا أموالاً طائلة من «النسخ واللصق». الآن مع إعلان مؤسسة النقد مؤخرًا عن موافقتها على رفع رؤوس أموال بعض شركات التأمين واحتمال موافقتها لشركات أخرى قريبًا، فأرجو أن تعترف الشركات بالأسباب الحقيقية خلف رفع رؤوس أموالها بعيدًا عن الاستغفال حيث من قراءة سريعة لعدد من شركات التأمين التي قامت فعلاً برفع رؤوس أموالها في السنوات الأخيرة، يتأكَّد لنا أن الأسباب الحقيقية كانت فقط لتخفيض نسبة الخسائر المتراكمة لرأس المال ودعم مؤشرات الملاءة الماليَّة بهدف كسب أكبر وقت ممكن، وإذا لم يحدث تغير جوهري في عملها مستقبلاً فإنّها حتمًا إما أن تطلب مجدَّدًا رفع رؤوس أموالها أو أن تعلن عن إفلاسها وعندها سندرك أنها «محرقة»!!