في يونيو 2013 بدأت الحفريات لبناء مبنى سكاي سيتي أو مدينة السماء وهي مدينة متكاملة في مبنى ارتفاعه 838 متراً في مدينة تشانغشا في جنوب وسط الصين. المبنى الأطول في العالم سيحوي 220 طابقاً وسيؤوي 17400 شخص في 5 آلاف مسكن، بالإضافة إلى فنادق ومدارس ومستشفيات ومكاتب ومحلات تجارية تبلغ مساحاتها الإجمالية 1.05 مليون متر مربع. وتجعل هذه الإمكانات الهائلة من المباني الرأسية حلاً مثالياً لأزمة السكن الضاغطة التي تؤرق بلداً مثل السعودية في غلاء أسعار الأراضي وأيضاً توفيراً للجهد والإنفاق الكبيرين المتوقعين في ظل استمرار سياسة التوسع الأفقي في البناء. وبدأ تقبل المجتمع السعودي يرى في البناء الرأسي حلاً لأزمة السكن المتفاقمة، ففي استبانة شارك فيها عدد كبير من المواطنين أفادت نسبة 90% من عينة البحث بموافقتها على تعدد الأدوار في المباني السكنية. يرى الأكاديمي الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم السقا، أنه «في ظل وصول المسجلين للحصول على قطعة أرض إلى نحو مليونين، فإن عروض الأراضي، خصوصاً في مدن المملكة الرئيسة، قد لا تسمح باستيفاء مثل هذا الطلب الضخم على الأراضي لبناء مسكن مستقل لكل أسرة». ويرى السقا أن «مثل هذا الحل كفيل بتدبير أعداد كبيرة من الوحدات السكنية بتكلفة أقل نظراً لتوزيع تكلفة الأرض». ويؤكد عبدالله الأحمري الخبير العقاري أن الكثير من المطورين والشركات العقارية بدأت بشكل جدي بناء المساكن الاقتصادية، للتماهي مع رغبات الجيل الجديد من الشباب الذين يفضلون هذا النوع من المساكن، إذ إنها توفر ليس فقط في سعر الشراء أو الإيجار، بل تتجاوز هذا للتوفير في الصيانة والتأثيث التي باتت تكلف كثيراً. وقدر الأحمري المساحة الأقرب والأفضل للتمام بالنسبة للأسرة بين 150 و320 مترا مربعا حسب حجم الأسرة، موضحا أن أقلها يفي لاستيعاب أسرة لا يقل عدد أفرادها عن خمسة، موضحا أنه حتى هذه المساحة تعد واسعة بالنسبة لدول العالم في الخارج. حصاد عشوائية ويذهب مختصون إلى أن البناء الرأسي ليس لبلد به هذه الوفرة من المساحات مثل المملكة فضلاً عن الكثافة السكانية المنخفضة، وأن الذي أوصلنا إلى هذا الخيار هو عشوائية البناء في كثير من المدن. إذ كشف رئيس الهيئة السعودية للمهندسين المهندس حمد الشقاوي عن التوسع الأفقي دائماً ما يكون في المساحات الشاسعة مثل مساحة المملكة، أما إذا كانت المساحة مثل التي في مدينة نيويورك فمن الطبيعي أن يكون التمدد رأسياً لأن عدد السكان كثير، مضيفاً: «المشكلة في عدم استخدام هذه المساحة بصورة أفضل يعود إلى عدم وجود التخطيط المناسب لتغطية تلك المساحات، وقد نشأت هذه المشكلة عندما وجدت أراض بيضاء داخل النطاق العمراني تضغط على الخدمات مثل شبكات الصرف الصحي والكهرباء والهاتف. وأشار الشقاوي إلى أن عيوب ومزايا التوسع الأفقي تعتمد على الكثافة السكانية فإذا كانت مرتفعة فهنا يتم اللجوء إلى التوسع الرأسي، ولكن المملكة تعتبر من أقل الكثافات بالنسبة للمساحة وعدد السكان، ولذلك من المفروض أن يكون التوسع أفقياً وليس رأسياً في الظروف السليمة، ولكن لم يتم استغلال هذا التمدد بطرق علمية صحيحة وإنما بطرق عشوائية مثل التي بجدة ومكة المكرمة، وبالتالي نتجت من ذلك عدة مشكلات، منها الازدحام المروري وعدم السيطرة على الخدمات التي ترهق ميزانية الدولة. مضاعفات اجتماعية على حين يرى الباحث الأكاديمي الدكتور نوبي محمد حسن أن علاج البناء الرأسي، ولاسيما الأبراج على وجه الخصوص، له آثاره الجانبية على الجانب الاجتماعي، مشيراً إلى آثار دراسة أجراها كشفت عن أن ضيق المسكن في المجمعات السكنية ذات الارتفاعات العالية يؤدي إلى تزاحم أفراد الأسرة وهربهم الدائم إلى خارجه وبالتالي عدم التقائهم. وأضاف الدكتور حسن أن الدراسات أثبتت أن الأبراج تشجع على ارتكاب الجرائم؛ لأنها تقوي الشعور لدى الأفراد بالغربة والعزلة وعدم المسؤولية، وعدم الاهتمام بما يحيط بالشخص من أحداث. مستشهداً بدراسة كشفت عن أن معدل الجرائم زاد من 8,8 لكل ألف شخص في حالة المباني ذات ارتفاع ثلاثة طوابق إلى 20.2 لكل ألف شخص في حالة المباني ذات الستة عشرة طابقاً. وعلى الرغم من المخاطر الاجتماعية التي تترتب على هذا الحل لأزمة السكن بالسعودية، إلا أنه يبقى الخيار الوحيد المتاح في بلد يعاني أزمة المأوى على نحو خانق، لا يبدو أنه سيشهد انفراجة قريباً. فوائد أخرى ودفعاً في خط التمدد الرأسي طالب مختصون ومتعاملون في السوق العقارية بمراجعة لوائح وأنظمة استخدامات الأراضي السكنية والتجارية وارتفاعاتها للحد من التمدد الأفقي السريع، وتشجيع المستثمرين على إنتاج كميات كبيرة من الوحدات السكنية والمكتبية في الأراضي كافة على المحاور التجارية بدلاً من ترخيصها فقط للمشاريع الفندقية وللمستشفيات، مشيرين إلى أن إقرار ذلك على جميع الأراضي وفق رؤية واضحة غير مرتبطة بنوعية معينة من المشاريع، سيمنح المدن الكبرى جمالاً عمرانياً ويدفع بها نحو زيادة معدلات البناء واستقرار أسعار الوحدات المكتبية وتدفق الأبراج السكنية إلى السوق العقارية كما في دول خليجية مجاورة وفي مدن سعودية كمكة المكرمةوجدة والدمام والخبر. وتوقع العقاريون استمرار التأثير السلبي على المستثمرين عدم السماح بتعدد الأدوار في بعض المحاور الرئيسية إلا في الحالات الاستثنائية للأراضي المخصصة للإيواء أو الفندقة والمستشفيات بارتفاع يصل إلى ثمانية أدوار، خصوصاً في الأراضي على الشوارع التجارية بعرض 80 متراً، مؤكدين أن السوق العقارية أمام فرصة للتوسع رأسياً في المشاريع السكنية على المحاور التجارية لخلق عروض كبيرة، حيث تعد الشوارع الرئيسية هي المكان المميز لإقامة الأبراج السكنية كما هو معمول به في دول خليجية مجاورة، مشيرين إلى أن أسعار الوحدات السكنية سيصحبها انخفاض، نظراً لتحمل الأرض عدداً كبيراً من الوحدات السكنية. واستشهد عقاريون بالتخطيط الحضري الجديد، المعمول به في أمريكا الذي يتيح تعدد الأدوار على الطرق السريعة، في مقابل أن تكون الأراضي الخلفية لها خدمات كمواقف للسيارات أو حدائق، ثم تقابلها شوارع بعرض 20 إلى 30 متراً، ثم أراض سكنية، بحيث لا تؤثر الأبراج والعمائر التجارية في الأراضي السكنية وأن يتم الحفاظ على خصوصيتها، وعلى معدلات الحركة المرورية بإتاحة مواقف وشوارع خلفية تدعم احتياج الاستخدام التجاري ولا تضر بالاستخدام السكني. وعلى وجه الخصوص في العاصمة الرياض، طالب عقاريون، الجهات التخطيطية في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وأمانة منطقة الرياض بسرعة دراسة ارتفاع المباني والبت بها، على شوارع ال 40 و60 و80 و100، وإعادة دراسة ارتفاع المباني على شوارع ال 30 لتسمح بارتفاعات أعلى مما هو مسموح به حالياً بثلاثة أدوار ونصف، مقترحين أن يصاحب السماح بالتمدد الرأسي بزيادة مسطحات البناء للمرافق الخدمية كالمدارس والمراكز الصحية، بأن تبنى بارتفاعات 4 و5 أدوار، متسائلين: ما المانع من أن تكون المدارس لدينا بهذا الارتفاع؟ ومؤكدين مجدداً أن التمدد الرأسي علاج لأي مشكلة إسكانية تمرُّ بها أي مدينة في العالم، كما أن ارتفاع المباني وتوفير الخدمات بجوار هذه المباني، يحدّ كثيراً من استخدام وسائل النقل كالسيارات وغيرها، وفي تقليل الكثافة المرورية للعاصمة الرياض. ويتوقع عقاريون أن يدفع التمدد الرأسي المستثمرين إلى البناء بدلاً من المضاربة، مشيراً إلى تجربة أمانة محافظة جدة بالسماح بتعدد الأدوار في بعض المناطق حتى في الأراضي السكنية، بحيث يستعمل الدور الأرضي مواقف للسيارات والأدوار الثاني حتى الخامس شققاً سكنية، ثم يصمم الدوران السادس والسابع على شكل فيلا سكنية، وهذه الطريقة خلقت لنا منتجات عقارية تسهم إلى حدٍّ كبير في مواجهة الطلب على الوحدات السكنية، مطالبين أمانة مدينة الرياض بخلق شراكات حقيقية مع المطور العقاري تعود بالنفع على المواطن، فالمستثمر يبحث عن الربح، والأمانة تبحث عن جمال المدينة وضبط الأنظمة، مؤكدين أنه متى ما كانت هناك شراكة إستراتيجية بين المطور وأمانة المنطقة، فإنه ستنمو بيئة خصبة جمالياً واستثمارياً معاً.