دمشق صهيل الخيول التي كانت، نزف الموج، لغة الريح، والمجاديف القديمة والصواري، دمشق العراقة والتاريخ والحضارة والفردوس والسندس الأخضر، ضوء الشمس دمشق لون القمر وخيوط الماء، دمشق الظهيرة والتنور والبيدر والحصاد ودوار الشمس وحقول الحنطة، دمشق هاجس الروح في فضاء التخيُّل، دمشق قبلة العشق، وحلم الطير، وأناشيد الرعاة، وأرض العاديات والقصب، دمشق الخاطرة والسدرة والرمش والفراشة الملونة وكل ما يسرق العقل، دمشق الفردوس، وجه التفاحة، حديقة العطر، كنز البياض، فوح الياسمين، رائحة البرتقال، سهوب الحنطة، هاجس الشعر، بهجة القمر، دمشق أيتها المدينة العذبة المدهشة، لقد اغتالوا فيك الحياة، وجعلوا من أعمدة ضوئك خيالاً لأساطيرهم التي ماتت عند أهداب مدافعهم المجنونة وخيالاتهم الهشة، لقد جرحوا جسدك الحالم، وحاولوا فقء عينيك الخضراوين، وجدع أنفك الذي يشبه السيف، وغسلك بالدم الذي لا يشبه حتماً الماء، بتعسف متوارث، وأدران تاريخ همجية، فعلوا فيك كما فعل التتار القدامى في بغداد، لكنك ستبقين صافية كما دمعة النهر، وضحكة المطر، ولوحة القمر، وكلما داهموك ببراميل النار، ومدافع الخراب، وصواريخ العار، تخرجين لهم نشيداً يعلمهم معنى الحياة، كسنبلة تناجي الصباح، دمشق يا حلوة العينين، يا بهية الجديلة والقوام والجسد، يا تؤم العطر، يا حدائق الجمال، يا أيتها الشاسعة، ما عاش من خدع فيك اللحظة، وسرق إرثك، وقص ضفائرك، وأكل أرغفة تنورك، وذبح ناسك، وخرب حقولك، وسمم أسماك نهرك، وهدم بالجرارات أسوارك، ودنس طهرك، وقتل الغيم فيك والقصب، ومنع الياسمين من الحياة، دمشق يا أم المستحيلات واللقب والفكرة والمفردة، يا رخام المساجد، يا قديمة، يا جديدة، يا كنز الغيم والحلم والعافية، يا ملتقى الحلم ونهايته، يا بداية الفتح وقوافله، شرود القصيدة أنت ومصيدة الشعراء، رضعوك الأشقياء حتى جف ضرعك، وانثنى جذعك، وضمر صدرك، لكنك فوق ذا لا تعبثين بالجلادين والغرباء وقاطعي الطرق والملوثين وحثالة المحرضين الذين لا يشبهون الرجال، ستؤرشفينهم يوماً ما كأوراق صفراء بالية، في أرشيف الخيانة والعار والدجل، سيولون الدبر، وستبقين أنت صامدة، دمشق يا مدينة عصية على الترويض كمهرة نافرة صاهلة، لديك من الصبر ما يكفي حد الانتشاء، ثابتة أنت مثل جبل قاسيون وحمائمه الوادعة، دمشق وأنت تفوحين كل يوم دماً وباروداً وغبار معارك، ستبقين جبهة المجد، وعنفوان الكبرياء.