التعامل مع أي جديد يتطلب التفكير في إيجابياته وسلبياته وأهم من هذا وذاك معرفة كيفية تقديمه وفقا لثقافة المحيط الذي يحدث فيه التجديد.. والتجديد أو التطوير أو التحديث لا يتوقف عند فن من الفنون بل يشمل مختلف نواحي الحياة. لكننا ولكون الصفحة متخصصة فإن موضوعنا سيرتبط بحداثة الفنون التشكيلية. التي لم يعد لحداثتها حدود أو ضوابط.. اكتسحتها تلك الحداثة ووجدت فيها مجالا أرحب لأسباب عدة، من أبرزها.. أنها فنون نخبوية جمهورها محدود، القلة منهم مثقفون، أما العامة فلا ناقة لهم في الفنون ولا جمل.. وإن سئلوا عنها وصفوها بالعبث والجنون.. ومن المؤسف أن نرى وجهين للحداثة، الجميل فيها قبيح، حداثة مستوردة وجد فيها البعض فرصا عدة، منها أنها غريبة مغلفة وجد فيها البعض فرصة لتبهير ظاهر الفكرة، وإخفاء ما لا يستطيعون قوله علنا.. ووجد الآخرون فيها سهولة التنفيذ ومخالفتها للمعتاد والمتعارف عليه.. أحالت الساحة إلى مساحة لجمع السكراب أو التالف من نتاج بعض العقول العربية. لكن الأمر لا يخلو من إبداع حديث يتناسب مع مرحلة واقع الفنون، على مستوى العالم بما ينسجم مع مستوى وعي واقعنا الاجتماعي الذي نحن معنيون به، وعلينا أن نقدم له رسالتنا التشكيلية وما تتضمنه من معاني سامية تستجيب لمتطلبات قيمنا الدينية وعاداتنا.. وتنقل إلى العام أننا بالفعل منافسون للآخر في كل شيء ومن ذلك الثقافة الممثلة في مجالنا التشكيلي. واليوم وعبر صفحتنا التشكيلية في جريدة (الجزيرة) التي عودت قراءها تقديم الصورة الناصعة للفنون التشكيلية وحازت بهذا للنهج على كسب رصيد ممن يطلع عليها داخل المملكة وخارجها بمساهمتها بتقديم المتميز والمستحق للتعريف به من عطاء مبدعينا التشكيليين السعوديين الذين يعون أن ما يقومون به في مجالهم جزء من بناء حضارة الوطن. وإذا كان من سنستعرض تجربته في هذا العدد ليس غريبا عن المتابعين محليا وعربيا وعالميا إلا أننا نقدمه لفخرنا به وبتمسكه بمسؤولية رسالته وبنهجه الفني.. ذلك هو الفنان الطبيب أحمد ماطر... الذي سعدت بما شاهدته من إقبال على معرضه الذي أقامته مؤسسة الشارقة للفنون وقام على تقييم للعرض الشيخة حور القاسمي رئيسة المؤسسة وأدرج ضمن المعارض التي أقيمت ضمن لقاء مارس 2014م الذي أقامته المؤسسة. ريادة وتوظيف للرسالة الفنية لم أكن ممتلكا فراسة العرب في فهم أو توقع مستقبل القدرات التي يمتلكها أو ما سيكون عليه الفنان أحمد ماطر لكنني حينما كتبت عنه سابقا في عدد المجلة الثقافية بالجزيرة الاثنين 1 صفر 1428 العدد 187 توسمت فيه مبدعا مختلفا، حينما قلت (أحمد ماطر اسم لمع في سماء التشكيل السعودي (جنوبا) من ثنايا جبال تهامة ومن أعماق سحابها الممتلئ حبا ومشاعر فياضة مؤطرة بكل المقبلات الجمالية البصرية والروحية، من هناك من أرض الجمال والزهور والرياحين كانت بداية تألق فنان ينظر إلى الواقع بعيني صقر وقدرات مبدع، اختزل عناصر الطبيعة الثابت منها والمتحرك، صهرها في أتون عشقه لها، مضيفا عليها بعدا جديدا يتزامن ويتوازى مع ثقافته المعاصرة دون إخلال بقيم الأرض والمحيط فجاء إبداعه ملفتا للنظر ومثيرا للجدل ومحتفى به دوليا. أحمد ماطر دون أي بهارات أو تزويق أو مبالغة في الإطراء فنان أبدع فاستحق الإعجاب، وخطى خطوته الواثقة فحقق التواجد في أحد أهم المتاحف البريطانية، هذا الفنان عرفته من خلال بعض المشاركات واليوم أصبح أحد الرموز الشابة الطموحة في مستقبل مسيرة الفن التشكيلي السعودي المعاصر حاملا مهمة كبيرة يتقاسم مسؤوليتها مع عدد من الأسماء التي ترتقي بهذا الفن وتنافس به بكل جدارة، دعونا اليوم نبحر مع هذا النموذج من المبدعين التشكيليين في ساحتنا المحلية الذي يجمع بين إبداع مهنته الطبية وبين مهارته التشكيلية وقدراته الفوتوغرافية. فارس الفن السعودي المعاصر لكنني اليوم وبقناعة لا يخالطها شك أقولها متحملا أي آراء تخالف ما أعلنه أن الفنان أحمد ماطر هو من أشعل وحمل ريادة الفن الحديث في السنوات الأخيرة وأثبت أنه بالفعل يعي دوره ويستخدم ذكاءه، فجمع بين الفن المعاصر ومتطلباته العالمية لكن بأدوات فكرته مهما تعرضت للتأويل أو وضعت في غير ما يراه المتلقي، تبقى أعماله رسائل صادقة يقرأها المشاهد بجمالياتها الظاهرة وبمصادرها المحببة وانتمائها الجميل. تتمة الرسالة السابقة وليكن معرضه في الشارقة كما أشرنا أحد الشواهد، الذي يحمل عنوان (العثور على 100 قطعة) الذي يشمل كما جاء في التعريف به كالتالي (المعرض يتضمن صورا وأشرطة فيديو، وقطعا مختلفة، ومواد بحثية جمعها أحمد ماطر ليؤرخ ماضي مكة بالنسبة لهويتها الحالية). جمع أحمد ماطر خلال بحثه أرشيفا غنيا بالمحادثات، والمراجع الشخصية والتسجيلات المستمرة للتطورات الحضرية وعمليات التوسع في مكةالمكرمة التي يقدم بعضا منها في هذا المعرض. يعد هذا الأرشيف الفريد امتدادا لتاريخ سياسي أوسع مألوف للمجتمعات التي عاشت مسبقا بجوار مكة، إلى جانب حكايات الحجاج المميزة تنكشف الألفة المتضمنة في تجمعات لشعوب من مختلف أنحاء العالم. نؤخذ عبر مسار من الذكريات الفردية لأحداث سياسية واجتماعية واسعة، لأحلام شخصية وجماعية، وأيديولوجيات، من خلال رمزية مرتبطة بالمكان الذي يستند إلى رؤى كل رجل وامرأة وطفل تجمعهم عقيدة دينية مشتركة. «العثور على 100 قطعة» هو عمل مستمر سينتهي بانتهاء عمليات التوسع الشامل.