عندما يموت أحد خيار القوم، ويختفي مَن كان نابهاً ومتميزاً بيننا، ويمتد الحزن من الأسرة والبيت إلى خارطة الوطن بأناسه ومواقعه وشواهده، فإن هذا لا يثير لدينا الانتباه أو الاستغراب إلا بقدر ما نتذكره عن الراحلين من تميُّز ومحاسن وقدرات سوف تختفي من الآن. *** وعندما نكتوي بألم مسبب، كأن يختفي من الوجود مَن كان مبدعاً ومخلصاً وذا قيمة كبيرة في العطاء، فهذه الحالة إنما تمثل اعترافنا بما سيتركه الراحل من فراغ لا يملؤه إلا من هو في صفاته ومواصفاته، سواء في عمله أو تعامله مع الآخرين. *** ومع أن سُنة الله في خلقه أن يتوالدوا، أن يعيشوا، فيموتوا، متباينين في الصفات والقدرات والمهارات، وحتى في الجدية في العمل، ومستوى الإبداع، فإننا معذورون حين نكتب بحزن مرثياتنا عن الأكثر تميزاً بين هؤلاء، وهم - بحمد الله - كثيرون في هذه البلاد. *** ولعلكم تتذكرون الحاضر الغائب الدكتور إبراهيم المنيف، الذي انتهت سنوات عمره في هذه الدنيا، ورحل عنا؛ ليتركنا نفكر بعمق بما كان عليه، ونسترجع مخزون ذواكرنا عن سيرته العطرة، ونعيد النظر بإمعان بما تميز به إبان حياته، وبما أداه وتركه من إرث ثقافي وإداري لنا، بوصفه قدوة في الجدية والإخلاص في العمل، ومتفوقاً إدارياً وعلمياً في الممارسة والتخصص والمهارات وحسن التعامل. *** ولعله من المصادفات الجميلة أن يوثق الدكتور المنيف رحلته في هذه الحياة قبل وفاته، وأن ينشر جانباً من سيرته الذاتية والعملية والتعليمية في كتاب غني بالمعلومات، تناول فيه تجربته بصدق وموضوعية وشفافية، بما سوف يخلد تأثيره ودوره وإنجازه في كل موقع تبوأه، أو مكان عمل به، أو إنجاز تبناه. *** إنَّ تجربة الدكتور إبراهيم المنيف - رحمه الله - غنية بالدروس والتجارب والنجاحات والإحباطات أيضاً، وفيها غير ذلك الشيء الكثير مما يحسن بالآخرين أن يحاكوا ويستفيدوا ويتعلموا من هذه التجربة، خاصة أن عدداً من المواقع في الدولة وفي القطاع الخاص كان له فيها تأثيرٌ في مساراتها ونجاحاتها. *** إنَّ خسارة الوطن في وفاة الدكتور إبراهيم المنيف ومَن يماثله في الكفاءة والقدرة والإخلاص - وهم في الوطن كثيرون - جسيمة وكبيرة، ولكن هذه مشيئة الله. وإن تكريم هؤلاء المتميزين وتخليد أعمالهم واجبان علينا؛ وينبغي تحقيقهما من خلال البحث الجاد عن أساليب تعمق تقدير الوطن والمواطنين لهم ولأمثالهم. وإذا كنا نطالب بهذا بعد مماتهم فإن الأنسب والأفضل أن يتم هذا في حياتهم؛ ليكون التكريم حافزاً للمنافسة على الإبداع بين كل الموهوبين.