كثيرة هي النظريات التي تتعلق بعلم النفس، وكثيرة هي الآراء التي درست جوانب النفس البشرية التي حيرت العلماء حديثًا وقديمًا، ومنها تلك النفوس الضعيفة التي تسلقت سلم المجد والشهرة عبر التملق والنفاق والزيف وإبداء الحب والإعجاب والإطراء فصدقها الآخرون، تقول إحدى ملاحظات علم الإدارة إن المدير يحب الموظف، ولو كان محدود الذكاء في حين يكره ويتضايق من الموظف الذكي المشاغب، ولو كان أداؤه ممتازًا، فراحة البال واستمرار العمل بكل هدوء أهم عند المدير من الإبداع والانطلاق والتجدد المتعب. إن بعض المديرين يستمتعون بكلام الإعجاب والحب والتقدير من الموظف المطيع الذي يعوض إبداعه بنفاقه وعجزه بلسانه، على الرغم من أن الشخص العادي الذكاء يستطيع أن يرى الكذب والرياء، ويشم رائحة النفاق وهي تعبق في الجو وتكاد تخنق. ولكن المدير آخر من يراها ويشمها بل هو يستمتع بذلك النفاق، ويكاد يطير بجناحين من ذهب (من صنع ذلك الموظف)، وسؤالي هل هذا المدير في تلك الحالة يفكر بقلبه أم بعقله..؟ وبعيدًا عن المدير وإدارته، فإني أعرف العديد من الأشخاص الذين كانوا في شبابهم من ذوي الأجسام النحيلة وفي قمة الرشاقة، وكانوا يتناولون طعامهم بحذر شديد. فهذا طعام دسم، وتلك المقالي لا فائدة منها، وهذه المحاشي ثقيلة على معدتي.. وتدور السنون ويكبر الشخص ويبلغ سن الرشد والنضج فيصبح سمينًا، وقد تراكمت حول جسمه أرطال من الشحم واللحم وضاقت عليه ملابسه بما وسعت وتغيرت جمله القديمة (البامية لا أطيقها ولا استسيغ طعمها والفاصولياء لا أجد لها أي طعم مشجع ولا أعرف لم تطبخ، فبيضة مقلية ألذ منها)، فعند سن النضج البامية سيدة الخضار الرشيقة واللذيذة والملفوف ما أشهى رائحته، وقد طبخ بالرز واللحم والفاصوليا أكلة محترمة، وتلك أكلة تليق بالملوك.. وهكذا دواليك، وتغيرت الأحوال والأقوال مع تقادم السنوات، هل هذا هو سن النضج والرشد الذي نبحث عنه متلهفين؟ تحدثني إحدى النساء التي كان وزنها لا يتجاوز 60 كيلو (وبعد الأربعين أصبح حوالي 90) وتقول على حد قولها: إنني عندما أكل هذه الأصناف اللذيذة آسف على تلك السنوات من الشباب التي ضاعت وأنا محرومة منها؟! وهذه السيدة تحمل شهادة علمية عالية، هل يذكركم حالها بالمدير؟ هل يصبح تفكيرنا عند سن الرشد بقلوبنا وليس بعقولنا وإلا لماذا تزداد أوزان معظمنا؟! نحن فعلاً أكلنا جميع أصناف الطعام الخاصة بالشعوب وأحببناه، فالأكل الصيني حدث ولا حرج، والهندي الحريف شاع وانتشر، والإيطالي يكتسح البطون، والأمريكي سيد الساحة بلا منازع، أصبحت نزهات الأسر عبارة عن موائد للطعام مفتوحة، نزور أصدقاءنا ونأكل ما لذ وطاب من الضيافة العربية، وعند العودة للمنزل لا بأس بشراء وجبات عشاء سريعة لنا وللأولاد، وهكذا أصبح الطعام متعة ونزهة وتذوق وسعادة وارتبطت عادات الطعام بأحاسيسنا ومشاعرنا وأهوائنا، نأكل عندما نحب ما نحب لا عندما نجوع نأكل ما يلزم. إننا نفهم، ولكن بقلوبنا وبطوننا!!