كتبت مرة، أن ما يميّز الدَّولة السعوديَّة، أنها قامت على أسس شرعية، مصدرها القرآن، والسنَّة. وعليه، فمن يقرأ نظام الحكم في المملكة، سيقرأ قصة مثيرة في وضوح الأنظمة التي تحدِّد المهام؛ من أجل استقرار البلاد، وثبات سياستها، والمضي قدمًا نحو المستقبل بخطى راسخة الثبات؛ لتثبت المملكة أنها دولة ذات مؤسسات، وأن سياسة حكيمة تنتهجها في الداخل، والخارج، هدفها تحقيق الأمن الشامل، والسلم الاجتماعي. العقد الرابط بين ولي الأمر، والمواطن، هو شاهد على قائمة الاستحقاقات الداخليَّة، والخارجيَّة، التي تجاوزتها المملكة بوعي قادتها، وسجّلها التاريخ على متانة العلاقات الوطيدة، التي يكنها الشعب نحو قيادته وبالتالي تُعدُّ بيعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز، غلق لأيِّ ثغرة دستورية، وتأكيد على سلاسة عملية انتقال الحكم، وانسيابيتها من جهة، وتتويجًا لمسيرة الأمير مقرن الحافلة بالإنجازات من جهة أخرى، التي تعكس شخصيته الفذة، وبداهته الحاضرة، وطرحه المتقد. ولأن هذا القرار -في تقديري- يُعدُّ تاريخيًّا، ويأتي ضمن القرارات الإصلاحية التي يتخذها خادم الحرمين الشريفين؛ ولأن مفهوم البيعة يمثِّل نموذج العقد السياسي بين الحاكم، والمحكوم، فإنَّ التاريخ لم يسجل مأزقًا سياسيًّا، أو فراغًا دستوريًّا واجه عملية الاختيار، بل إن مفهوم البيعة يُعدُّ من أهم عوامل الاستقرار في البلاد، والمتوافق مع فقه السياسة الشرعية، وهو ما عبَّر عنه الفضيل -رحمه الله-، بقوله: «إنه ليس شرطًا مبايعة جميع الأفراد الحاكم، أو من يناط به الأمر بصورة شخصيَّة، إِذْ يكتفي ببيعة العلماء، والوجهاء من ممثلي الأمة، كما يكتفي ببيعة الفئات المخوّل لها الإقرار بصحة مشروعية الحكم من عدمه، وهم أهل الحل، والعقد، وكان يكتفى في عهد الخلفاء الراشدين ببيعة أهل المدينة من المهاجرين، والأنصار، وهو ما سار عليه فقهاء السياسة الشرعية حتَّى اليوم، ويماثل نظام البيعة في جوهره، ودلالته، نظام الاستفتاء الشعبي، والانتخاب -في آن واحد -، وهو ما يعطي النظام شرعية مزدوجة ثابتة، ويؤكد ثقة المحكومين بمن يبايعونهم». ستتم البيعة -للأمير- مقرن بن عبدالعزيز، كونها إجراءً أساسًا، وخطوة مهمة؛ لتجسيد الالتزام التام بين المبادئ، والتطبيق؛ ولمواصلة المسيرة بوتائر متصاعدة من الإنجازات؛ انطلاقًا من ذات التوجُّه لدى الأسرة الحاكمة، ووفقًا للنظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الوزراء، ونظام هيئة البيعة، الذي يهدف إلى إعطاء الحكم استقرارًا أرسخ، وسط خريطة عربيَّة تعصف بكثير من دولها ثورات، وأزمات، وجوار مضطرب، وآخر جامح، فإنَّ المرحلة القادمة تعني رهانًا جديدًا، تمنح رسالة للمواطن في الداخل، والعالم في الخارج، بأن نظام الحكم في المملكة متوافق مع منهج البيعة، وبعيدًا عن التأويلات، والاجتهادات الفردية، التي قد تضر بمصالحها، واستقرارها مستقبلاً. فدولة بحجم السعوديَّة، وحجم اقتصادها الهائل، وسعة علاقاتها، وتحالفاتها السياسيَّة، ستبقى آمنة مستقرة، وفي أيدٍ أمينة؛ لتحقيق أهدافها المتناغمة مع مصالحها؛ وليبقى هذا البلد آمنًا مطمئنًا -بإذن الله-.