{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (35) سورة الأنبياء إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك يا والدنا لمحزونون... نعم إنه الفراق يا أبانا ولكنه فراق أبدان لا فراق وجدان... إنه مشهد عظيم ذلك اليوم الذي مررنا به، يوم أن ودعناك مع غياب شمس يوم الأربعاء الثامن عشر من جمادى الأولى للعام الخامس والثلاثين بعد ألف وأربعمائة من الهجرة... ساعات مليئة بتفاصيل ما حدث منذ اللحظات العصيبة التي أراد الله بقضائه وقدره أن ترحل إلى جواره طاهراً مطهرا - بإذنه تعالى - متوجها إلى القبلة متهيئاً لأداء فرض صلاة المغرب وإرادة الله فوق كل شيء ولا راد لقضائه سبحانه، ونحمد الله أنه كان بجوارك أحد أحبابك وفلذات كبدك وهو الأصغر من أبنائك الملازمين لك مع أخواتهم البارات خطوة بخطوة، وهذا من فضل الله جعل الله ما قدموه من واجب في ميزان حسناتهم وأراهم بر أحفادك بم. في لحظات معدودة تسارعت الأحداث وحقق الله مطلبك الذي تتمنى على الخالق الكريم أن يمنحك إياه وتردده في كل وقت خصوصا عندما تشعر بمعاناة أو ألم ما, ألا وهي عبارتك المشهورة بل عبارات قيمة وذات معنى ومغزى التي شهد بسماعها كل من حولك (يا الله هون الميتة وحسن الخاتمة) و(يا الله من حيلي إلى قبيري)، نعم لقد أخذت مقعدك وأنت ممسك بيد الأخ خالد عظم الله أجره وزاده من توفيقه مستقبلاً القبلة، لكنها قبضة قوية على غير العادة، ومن ثم أطلقت شهقة خفيفة وأسندت رأسك يميناً والحمد لله.. وفي دقائق معدودة لا تتجاوز الثماني وإذا بنا كافة معك رحمك الله أمام جمع من الأطباء والمختصين في مستشفى مجاور.. حاولوا بكل ما يملكون من أجهزة إنعاش طبية مرروها على قلبك الحنون ورئتيك النقيتين ليتبينوا وجود نبض في أي عرق أو وريد دون جدوى... وسجي جسدك الطاهر ولله ما أخذ كما له ما أعطى.. ونحمد الله أن كل أبنائك وأحفادك هم من قاموا وشاركوا بتجهيزك من تغسيل وتكفين وتمت الصلاة عليك بعد أداء فريضة صلاة العصر بمسجد الملك خالد وحمل جسدك الطاهر على الأكتاف، مشياً على الأقدام إلى مقبرة أم الحمام حتى أنزلوك في قبرك جعله الله روضةً من رياض الجنة.. ونحمد الله أن الصفوف تلي الصفوف حضروا جنازتك غفر الله لك وتتابعت الجموع مشياً على الأقدام إلى المقبرة وأخذت هذه الأعداد صفوفاً للتعزية - جزاهم الله كل خير - ولا أراهم مكروهاً في عزيز لديهم وبقينا نتلقى التعازي في المقبرة إلى قبيل الغروب وتوجهنا إلى المنزل، فلما وصلنا إذا ببعض الأعزاء جزاهم الله كل خير في انتظارنا لتقديم واجب العزاء - غفر الله لك وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة وجمعنا وأحبابنا وكل من أسهم بتجهيز وحضور وتعزية ودعاء بك في عليين - ونبشرك أننا سنظل على ما عهدتنا به وما كنت دائماً تحثنا وتوصينا به متواصلين متحابين مستمرين - بإذن الله - في فتح ديوانيتك التي ألفتها وألفتك وجمعت قلوباً متآلفة على المحبة ، هذه الديوانية التي يقصدها أحبابك بكل شوق من قريب وبعيد فيجدون فيها ما يسرهم من حسن استقبال وبشاشة ولطف وتلقي ما تختزنه ذاكرتكم - رحمكم الله - من خبرة ومعلومة ونحوها، هذه الديوانية التي مضى عليها أكثر من نصف قرن سوف تستمر - بعون الله - في فتح أبوابها بعد مغرب كل يوم وبعد صلاة كل جمعة. كما نود إخبارك بأن ما عهدته وأوليته فينا من تربية نراه في أحفادك رزقنا الله برهم وبر أبنائهم فيهم.. نسأل الله العلي القدير الذي أنزل محبتك في قلوب الناس صغيراً وكبيراً كما كنت تبادلهم تلك المحبة ضعفاً أن يجعل قبرك روضةً من رياض الجنة، اللهم مد له في قبره قدر ما تبصره الأعين وافتح له باباً إلى جناتك جنات النعيم يأتيه من روحها وريحانها، اللهم املأ قبره رضاً وسروراً ونوراً.