عندما تلقيت دعوة وزير الصحة دكتور عبدالله الربيعة إلى مرافقته لمنطقة الجوف لافتتاح مشروعات صحية, خطر في بالي تاريخ وجغرافية الجوف كونها شهدت بواكير الحضارة الإنسانية في هذه الجزيرة, وقالت: ما عساه أن يعمل وزير الصحة أمام جغرافية الأرض والتاريخ الحضاري للمنطقة؟ فمساحة الجوف 85.000كم ونسبتها لمساحة المملكة (4.3) في المائة، وسكانها (440) ألف نسمة، بنسبة (1.6) في المائة، وهذه النسب مشابهة لمناطق المملكة إذا استثنينا المناطق والمدن الرئيسة: الرياض، جدة، مكةالمكرمة، الدمام، المدينةالمنورة، ثم ماذا سيعمل في منطقة حدودية أقصى حدنا الشمالي الأوسط؟ الجوف جغرافيا هي جوف وباطن الجزيرة العربية وهي الدرع الطبيعي للمملكة بحزامها الرملي الذي شكل قوسا من الرمال على مدن الوسط والشرق, الجوف هي خزان الرمل الذي مد الربع الخالي عبر النفود الكبير بخصائل وجدائل من الرمل تسمت بأسماء بحر رمالها: النفود الكبير، النفود الصغير الدهناء، عروق المظهور، نفود الثويرات، عريق البلدان، نفود السر. شكلت الجوف من الناحية الحضارية بوابة الجزيرة العربية لدويلات الداخل في زمن الممالك العربية القديمة قبل الإسلام، ودويلات الخلافة الإسلامية، وإمارات المناطق زمن المؤسس الملك عبدالعزيز يرحمه الله -شكلت- جسرا حضاريا ربط وسط بلادنا بالحضارات والإمبراطوريات القديمة قبل الإسلام ربطها بالشام والعراق ثم ربطها بعواصم الخلافة الإسلامية في الشام والعراق وتركيا فكانت، معبرا حضاريا مرّت من خلاله حضارات بلاد وادي الرافدين والهلال الخصيب وحضارات أوروبا عبر إسطنبول التركية. كانت الجوف في نفس الوقت ممرا عصيا وصعبا للغزاة، حيث تحول النفود الكبير إلى درع رملي وبحر من الرمال أحبطت أحلام الغزاة منذ زمن الإسكندر المقدوني وحوافر الخيول التركية والأوروبية التي أردت أن تجهض مشروع الدولة التي كان الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- يعمل على تأسيسها. جئنا إلى الجوف ونحن لا نعرف ما كان يحضر ويعد لنا من: إرادة الملك عبدالله -يحفظه الله- الذي استعان بالله لتنفيذ مشروعه إنشاء المدن الطبية وعدالة الحق العلاجي بين المواطنين، وأمير المنطقة الأمير فهد بن بدر الذي كان عازما ألا تمر الطفرة الاقتصادية الثانية دون أن (يقتطع) منها نصيب الجوف والحد الشمالي، ووزير الصحة الذي بنا إستراتيجيته على مدن طبية ومستشفيات تخصصية ومراكز نوعية, ووزارة المالية التي أدرك وزيرها دكتور إبراهيم العساف أن الطفرة الاقتصادية عمرها بعمر الشجيرات الموسمية أشهر وسنوات قصار وأن تعويض المشروعات العملاقة يحتاج إلى سنوات طوال وولادات عسيرة، وأن سنوات اليسر أقل بكثير من سنوات العسر. لذا ولدت من هذه الرغبات (المسؤولة) تحويل منطقة الجوف وتحديد مدينة سكاكا إلى قاعدة طبية كأكبر تجمع طبي لمناطق الشمال تضم: مدينة الأمير محمد بن عبدالعزيز سعة (1000) سرير بمراكز متخصصة للسرطان والقلب والعلوم العصبية, ومستشفى للعيون, ومستشفى للتأهيل -تدشين المرحلة الثانية للمدينة-. وافتتاح مستشفى الملك عبدالعزيز التخصصي بسعة (300) سرير، وافتتاح المراكز النوعية مركز السكري ومركز طب الأسنان، وتدشين المرحلة الثانية لمشروع مستشفى النساء والولادة سعته (300)، افتتاح مستشفى الأمير متعب بن عبدالعزيز سعته (300) سرير، وبذلك تتحول الجوف إلى قاعدة طبية لمناطق الشمال: الحدود الشمالية، الجوف، تبوك، حائل.