عبد الله الحميد 152 صفحة من القطع الكبير من فينا من لا يساوره خطأ أو شك ثم لا يعتذر.. كلّنا خطّاؤون وخير الخطّائين التوابون.. هكذا تقول الثوابت الدينية إبراءً للذمة. شاعرنا الحميد كان سبّاقاً باعتذاراته اعتذر لموت براءته دون ذنب.. واعتذر لكف كريم دون أن يقدم على كفه.. واعتذر لهواتف النبل ولا دور له فيه. واعتذر لبند الكتب لأنه لا يقدر على الشراء، واعتذر للصديق الغالي تجافياً للعتب. واعتذر لاختراقات النظام لأنه لا يقدر على صدها، اعتذر واعتذر تلك قناعاته.. أين هي الأسباب والمسببات لاعتذاراته؟ في لموت البراءة يقول: لوجه الحب اعتذر لصفو الحزن اعتذر لأطياف ألفناها صبا في ليلها القمر ندى يهفو لمهجتها وذكرى نبضها المطر لقد نسي شعرنا عمره.. أرقه شبابه.. وذلك البوح الحائر في لغته.. وذلك الوجدان والإبداع بلا صدق.. لكل هذا يعتذر. يسترسل في شكواه واعتذاراته الكثيرة والمثيرة.. الغطرسة. الظلم.. وطغيان الإرهاب. والأشباح المستفزة كلها تخيفه.. حتى الأعياد المنتحرة.. يختصرها في قوله: ومأساتي ومشكلتي تؤرّقني فاعتذر وعجز الروح يصفعني فلا عذر.. ولا خبر ولكف الكريم يقول: تموت البراءة وسط الردى وتحيا على شطر نهر الندى وترفل في كرنفال المنى إذا لم تغير ذرى المبتدا ولم تتعثر خطى طامح يغرد فوق غصون المدى إذا لم.. فإنه يعتذر للانتكاسة.. وعن هواتف النبل.. والاعتذار: من بين عينيك عين التوق ترتقب والحلم ينبض والإبداع ينتحب أشرعت لي أملاً في كل سانحة كأنني في هواك الخل والنسب وكنت لي حافزاً يرنو إليك إذا ما عوقته غيوم القحط والنوب كل هذا جميل.. فعلى ماذا يعتذر؟! كأن همك من همي يؤرقه وعندك الشاغل التأصيل والكتب هذي خصالك لست الآن مادحها فقد تخللها الإحسان والحسب لهذه الأسباب.. والموجبات.. ولكل هذه الحسنات يا عزيزي لا أجد ما يمكن الاعتذار عنه.. بل شكره.. أما بند كتب شاعرنا فإنه يستوجب الاعتذار.. العين بصيرة واليد قصيرة.. والقائم على البند نائم.. من رأى مثلي بنداً افرغا من فؤاد لم يكن قط يفي نبهت أطفال قطر الندى فتحرّوا من يدير المفرغا ضاق صدر الجند عمَّا قد مضى وانتقى مما اصطفى فيما ابتغى السبيل إلى صديقه الغالي تنعق فيه الغربان.. وأصوات المرجفين الذين يشون ويوشوشون على خبث: نهشوا لحوم الغافلين. ومزّقوا لحمي. وقالوا إنه متفيهق لم يبق إلا أن يقولوا مجرم أو مفتر أو فاسق متزندق أما هو: وضحكت ملء فمي وشر بلية ان يُجتبى ما قاله مسترزق فمن العنادة أن تهان فضائل ومن الحماقة أن يصدّقَ أحمق قلت الحقيقة والحقيقة مرة إن الحقيقة جوهر لا رونق العالم كلنه يبحث عن الحقيقة الغائبة.. أضاعها بضياعه.. ثم راح يبحث عن ضائع.. شاعرنا لماذا الاعتذار عن شيء لا ذنب لك فيه..؟ هذه المرة لا اعتذار في عيد بلا أم: وانما مرارة فقد: مرارة الفقد في حلقي وفي كبدي وروعة الحزن عنواني إلى الأبد كانت شموسك يا أماه مشرقة بالحب والزهد والإيلاف والكبد وكنتِ ملهمتي في العمر دافعتي إلى الأمام الذي أدركته بغدي يوجد شمس واحدة يا عزيزتي.. الأنسب (كانت حياتك).. ومفردة إيلاف و(الكبد) غير معربتان.. ألا ترى معي أن يأتي الشطر على هذا النحو: (بالحب والزهد.. والتحنان والجلد). ويمضي في مقطوعته الرثائية لأعز الناس إلى قلبه: فجعتني حينما وليت مشفقة نحو الغروب فيا ويلاه من كمدي وداع نظراتك الحزنى يمزقني والضم بالقبل المغتص بالبرد الصحيح ولاستقامة الشطر (وداع نظرتك) لا نظراتك. الذين يخترقون الأنظمة يشكلون عقدة لشاعرنا الحميد.. إنه يشكو.. ولا يعتذر.. في دهاليز الإدارة سكب العمر عصاره شبح الروتين أوحى لي بألوان الخفاره طوحت آمال نفسي بين وعد وإشاره أين ترشيحي ونقلي؟ أين من أخفى قراره؟ ضاع مثل الحظ جهدي ضاع عمري يا خساره! العمر يا شاعرنا أقوى من أن تهزه رياح.. وعقبات الروتين الجامد.. فارس رحلتنا لا يستطيع..! لماذا؟ وممن؟ وأين؟ قالها بملء فمه.. لا يستطيع رسم وردة البراءة وقد اغتالها الغدر والقسوة.. لا يستطيع أن يرى الجلاد الإسرائيلي وهو ينعق بحربه وحرابه وخرابه على الفلسطينيين وعلى حقهم المشروع على أرضهم. لا أستطيع أن أرى البراءة الممزّقة طفلاً يفرى جسمه البريء يخرق الرصاص هيكله لا أحد يتحمّل قسوة الظلم.. ولا أحد يتقبل قوة الظالمين وهي تمزّق أجساد المظلومين المغلوبين على أمرهم. يبدو أن ساعة الصفر حانت في توقيت شاعرنا.. إنه يتحفز.. أن شيئاً في دواخله يدفعه لدرء الخطر: على قلق. وفي قلق رهيب يواجه أمتي عبر الدروب وبين صواعق الرعب استفاقت على قمم الفجيعة واللهيب الهواجس والخلايا تزلزل.. هدير الموت يقرع الأبواب ليفزع.. وليوقظ من لديه إحساس بالصحوة. ذهول. واضطراب. واحتدام تشكل في رؤى (فيلم غريب) مغامرة توزعها الأفاعي بألسنة المخادعة الكذوب من هي.. أو من هم؟.. إنهم المفسدون في الأرض تباركها بأمريكا خلايا تشوّه صورة الفكر الأريب عرفت الحكاية.. وجاء التمييز ليت للإنصاف علينا فترى كيف رد السابقون القهقهرى نزعة ا لتمييز شلت فكرنا حوّل الرغبة غولاً أحمرا! لا أدري ماذا يعني.! إذا كان مقياس تمييزه جنساً أو لوناً. أو مذهباً فمرفوض إنسانية.. وإذا كان التمييز يعني التميز علماً وتقدّماً وتحضّراً فأمر لا غضاضة فيه.. (انت حيث تصنع نفسك مقاماً واحتراما). نتجاوز مع شاعرنا بعض محطات الرحلة بحثاً عن فكرة جديدة لم نمر عليها.. عنوان لافت للنظر (ورق من التقويم). ورق من التقويم والذكرى الحزينة متبعثرات في الجوى ضد السكينة تتقافز الأيام في عمري كما طفل تفلت من براءته الرهينة ورق من الذكرى يصافحنا غدا وعليه من تاريخنا الأسمى شجونه هكذا يقلّب أوراق تقويمه صفحة منطوية وأخرى تنطوي وعلى فمه حكمة شاعر قبله: مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها ومن كانت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها كلنا ذلك الذي يحمل في يده جواز سفره إلى رحلة مجهولة: نختتم مع شاعرنا المجيد عبدالله الحميد رحلتنا معه عبر ديوانه (لوجه الحب اعتذر) بهذه المقطوعة الربيعية التي تذكّرنا برياض الربيع.. برياض نجد.. وبرياض المجد.. أنت الرياض بزهوها وحضورها وبراءة الإبداع في تعبيرها ونضارة الذكرى يميزها الذي حنت إليه مبشرات بكورها أنها رياض الفكر.. بنت اليمامة للصحافة منبرا وهب الرياض صحيفة بأثيرها حملت شعار الوعي في أفكارها واستشرفت ألق الرؤى تفكيرها كيف قرأها: مازجت نبض الشعر في إبداعها وقرأت عمق النقد في تبريرها هذا التميز في (الرياض) سما بها عبرت إلى القراء في تقديرها هكذا يراها منبراً.. ومعبرا لجادة الفكر شعره.. ونثره.. وللرياض جزيرة. ويمامة (ومجلة عربية) وفيصل.. وحرس وأحوال معرفة كلها رئات صحية نتنفس من خلالها ونستنشق الهواء.. وصحراويته النقية. إنها جدلية الحياة كما نفهما.