اكتسبت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز؛ ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء؛ وزير الدفاع؛ للصين أهمية قصوى؛ من حيث فعالياتها؛ ومخرجاتها؛ وبعدها الإستراتيجي الذي يفترض أن يؤسس لعلاقة مثمرة بين البلدين. زيارة إستراتيجية ذات أهداف تكاملية مرتبطة بالجوانب السياسية؛ الاقتصادية؛ العسكرية؛ والتنموية. أعاد الأمير سلمان بن عبدالعزيز توجيه البوصلة السعودية نحو الشرق؛ رغبة في تنويع التحالفات الإستراتيجية؛ وبما يحقق المصالح الوطنية. من مصلحة المملكة توثيق علاقاتها الإستراتيجية مع الدول الفاعلة على المستوى الدولي؛ فالعلاقات الأحادية لا تخلو من المخاطر؛ وإن اكتسبت القوة؛ والبعد التاريخي. تغير المصالح؛ وتعديل السياسات الدولية قد تحدث انقلابا سريعا في العلاقات المشتركة؛ ما ينعكس سلبا على المصالح الوطنية. توقيت الزيارة ربما أضفى مزيدا من الأهمية عليها؛ خاصة وأنها جاءت متوافقة مع المتغيرات المتسارعة؛ وإعادة تشكيل التكتلات الدولية بما يتوافق مع المصالح الوطنية. صحيفة الشعب الصينية أشارت قبيل الزيارة الأميرية إلى أن» السعودية قررت تنويع تحالفاتها السياسية والتجارية بين الشرق والغرب، نظرًا لعدم وجود شيء ثابت في السياسة». أعتقد أن التحالفات التجارية ربما كانت المدخل الرئيس لعقد تحالفات إستراتيجية على المستوى السياسي؛ والعسكري؛ فعلاقة المملكة مع دول العالم يمكن أن تتوقف عند العلاقة التجارية القائمة على تصدير النفط؛ واستيراد السلع؛ ويمكن أن تتطور إلى مستوى الشراكات الإستراتيجية بعيدة المدى؛ الأكثر عمقا وتوثيقا؛ وهو ما سعى سمو الأمير سلمان لتحقيقه خلال زياراته الأخيرة للشرق. السفيرالصيني لدى المملكة، «لي تشنج ون» أكد قبل الزيارة إلى أن «الصين تنظر لزيارة ولي العهد السعودي على أنها هامة جدًا، لما تحمله في طياتها من إمكانات الارتقاء بمستوى العلاقات السعودية الصينية إلى مستويات قياسية جديدة»؛ أما نائب الرئيس الصيني « السيد لي يوان تشاو» فقد أكد بأن «المملكة لها مكانتها الكبيرة وهي أهم شريك استراتيجي للصين في الشرق الأوسط والخليج العربي». نجح الأمير سلمان في رفع مستوى التعاون السعودي الصيني إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية، كما كان متوقعا؛ ورعى توقيع أربع اتفاقيات مهمة في قطاعات حيوية تشمل التجارة؛ وعلوم تقنيات الفضاء؛ والإنشاءات الجامعية؛ وتنمية الاستثمار؛ وهي إتفاقيات تمثل قاعدة الشراكة التي يفترض أن تبنى عليها شراكات أخرى أكثر أهمية. يمكن القول أن توقيع اتفاقية برنامج التعاون المشترك لحماية المستهلك السعودي والتي ستسهم في الحد من تدفق البضائع الصينية المقلدة والمغشوشة للأسواق السعودية، هي أحد أهم الاتفاقيات الموقعة لإنعكاساتها الإيجابية على المستهلك؛ والسوق السعودية التي تعاني من عمليات إغراقية منظمة؛ تسببت في الإضرار المباشر بالمنتجات السعودية وقدرتها التنافسية في الداخل؛ ودفعت بمصانع كثيرة للخروج من السوق. حماية السوق السعودية من المنتجات المغشوشة والرديئة هدف رئيس يجب تنفيذه بكل دقة وحزم؛ فتوقيع الاتفاقية قد لا يحقق الهدف الرئيس ما لم يفعل الجانب التنفيذي بعناية. تُشكل الشؤون الإقتصادية؛ في وقتنا الحالي؛ قاعدة العلاقات الدولية؛ وأحسب أن الشراكة الاقتصادية مع الصين مرشحة لفتح أبواب شراكات إستراتيجية أخرى في العلاقات السياسية؛ التنموية؛ والعسكرية. رفع حجم التبادلات التجارية مع الصين إلى مستوى 100 مليار دولار أمر يمكن تحقيقه مستقبلا؛ وعلى الجانب الآخر يمكن أن تلعب الصادرات النفطية دورا أكبر في توثيق الشراكة الإستراتيجية؛ خاصة مع حاجة الصين الملحة لضمان إمدادات النفط التي تحاول الولاياتالمتحدة الأميركية السيطرة عليها لأسباب إستراتيجية صرفة. الزيارة الأميرية لا يمكن أن تكتمل بعيدا عن الأقليات الإسلامية في الصين؛ فلقاء الأمير سلمان برؤساء الجمعيات والمراكز الإسلامية بعث برسالة مباشرة للحكومة الصينية؛ مفادها أهمية وضع الأقليات المسلمة للحكومة السعودية؛ في الوقت الذي أسهم فيه اللقاء في استثمار الاجتماع لتوجيه رسالة أخرى لمسلمي الصين بأهمية التعايش السلمي؛ وتطبيق مبدأ التسامح؛ ونبذ العنف والإهتمام بعكس صورة إيجابية عن الإسلام والمسلمين. تبرع الأمير سلمان المالي لبناء مراكز إسلامية وثقافية يعزز مبدأ الشراكة القائمة على التفاهم بين البلدين. استثمار العلاقات في خدمة الإسلام والمسلمين هو جزء رئيس من ثقافة الدولة السعودية على مر السنين. الشراكة الإستراتيجية مع الصين يمكن استثمارها وتوثيقها بشكل أكبر؛ خاصة في الجانبين السياسي والعسكري؛ ويمكن؛ في الوقت نفسه؛ استنساخها مع الدول الأخرى المؤثرة في مجلس الأمن والمجتمع الدولي لتحقيق مصالحنا الوطنية. العلاقات الإستراتيجية المتشعبة؛ والتحالفات المتنوعة؛ خير من العلاقات الأحادية عالية المخاطر.