قضت مشيئة الله بأن يكون لكل بداية نهاية وكذلك أسباب تساهم في نشأة الأشياء من حولنا أو انقضائها مع إيماننا بقدرة المولى عز وجل على فعل ذلك دونما سبب، ولذا فإننا عندما نمعن النظر نجد بأن آلاف الأشياء بل عدد لا متناهي منها يطالهاالتغيير والتحولات وتتبدل باستمرار من صورة إلى أخرى، كما أن نهاية شيء ما... ماهي إلى بداية لشيء آخر جديد ومختلف أو مجموعة من الأشياء المختلفة والمتنوعة، فيتحول ما هو محدود القيمة وغير مفيد لشيء مفيد وذي قيمة عالية والعكس صحيح. وحيث إننا ذكرنا بأن حركة التحول التي تحدث من حولنا لابد لها من محرك (سبب) وظروف معينة تساعد على إتمام تحول شيء ما إلى حالة أو صفة أو صورة مختلفة، ولأن الخالق سبحانه أعطى الإنسان القدرة على التفكير واتخاذ القرار فقد استشعر طبيعة تلك التحولات من حوله وقام بتوظيفها واستثمارها على مر العصور في معالجة المشكلات التي تواجهه فتكونت لديه معارف وخبرات مكنته من تلبية احتياجاته المختلفة ومعالجة المشكلات التي قد تواجهه في سبيل تلبية متطلبات بقاءه وتسريع حركة تحولات الأشياء من حوله لتحسين وتطوير البيئة التي يعيش فيها سواء كانت الحاجة للتغيير هي لمواجهة مشكلات يومية مستمرة أو لتلافي مشكلات مستقبلية، بل وأبدع في ذلك أيما إبداع عندما تمكن من توظيف هذه المعرفة بالشكل الصحيح، وخير شاهد ما نعيشه بفضل من الله في هذا العصر من تقدم ورفاهية في مختلف المجالات. إن حقيقة هذه المعرفة بأسباب تحول الأشياء من حولنا منشأه القول إن إدراك وتحديد الأسباب الحقيقية وراء أي مشكلة هي نصف الطريق المؤدي لحلها، ويتبقى النصف الآخر وهو تطبيق أنجح الحلول الممكنة للقضاء عليها، إلا أن هذه المعرفة لا تزال معطلة في كثير من جوانب حياتنا المعاصرة، ويقاس على ذلك المعوقات والمشكلات التي تواجه العديد من الجهات الحكومية وفروعها، والتي يفترض بها معالجة وحل مشاكلات المجتمع وتوفير كافة متطلبات الحياة الكريمة له أينما كان وطن ودولة تلك الجهات، فنحن ومن خلال ما نعايشه في حياتنا اليومية من مواقف ومشاهدات وما نقرأه على صفحات وسائل الإعلام المختلفة من أخبار وتقارير وأحداث تتناول مشكلات تدني مستوى خدمات تلك الأجهزة وما يؤديه إليه ذلك من آثار سلبية تمس مختلف جوانب حياة المواطن وما تتسبب فيه تلك الأخطاء والتجاوزات من فقدانه لشيء من الحقوق التي ينبغي أن يحصل عليها لهو أمر محبط ويدعوا للأسف وربما الغضب في كثير من الأحيان، كما أن لذلك دلالة على أن الأسباب الحقيقية لمعالجة تلك المشكلات لم يتم تحريكها. وليس لدينا أدنى شك بأن الدولة تولي أجهزتها ومؤسساتها بالغ العناية والاهتمام، ومن ذلك قيامها بإنشاء عدد من الأجهزة الرقابية لتولي مهمة متابعة ومراقبة أداء الجهات الحكومية وفحص تصرفاتها المالية والإدارية والتحقق من مدى سلامة تلك التصرفات وتوجيهها نحو الأهداف التي تسعى الدولة لتحقيقها، وذلك لتلافي ما قد يحدث من أخطاء والحد من التجاوزات والتصرفات التي تحول دون تحقيق أهداف خطط التنمية ودعم جهود تطوير وتحسين مستويات الخدمات المقدمة للمواطن، إلا أن ما يدعو للتعجب والاستغراب هو معاناة الأجهزة الرقابية من ذات المشكلات التي تطال معظم الجهات الحكومية، بل وتعرضها للكثير من الانتقادات والاتهام بالتقصير. ويتكرر ذلك مع ظهور العديد من جوانب القصور في الخدمات التي تقدمها بعض الجهات الحكومية الأمر الذي يدعوا للحيرة في كثير من الأحيان، بل وتزداد عندما ننظر إلى حجم العمليات الرقابية التي تتم بجهود من الوحدات الإدارية داخل الجهة الحكومية أياً كانت مؤسسة عامة أو وزارة و من خارجها فعلا سبيل المثال: هناك عدد من الوحدات الإدارية تمارس عملها الرقابي داخلالجهة الحكومية بشكل مباشر أو غير مباشر كوحدات المراجعة الداخلية، ووحدات الجودة، ووحدات ولجان التفتيش والمتابعة، وكذلك العديد من العمليات الرقابية لأجهزة رقابية حكومية كديوان المراقبة العامة، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وهيئة الرقابة والتحقيق، ووزارة المالية، ومجلس الشورى، أو جهات خاصة تستثمر في هذا المجال كمكاتب المراجعة والمحاسبة والعديد من الشركات والمكاتب المتخصصة التي تقدم خدمات استشارية يجري خلالها رصد ومتابعة وإشراف لأنشطة أو برامج أو مشروعات معينة، كل ذلك بهدف تحريك الأسباب التي قد تؤدي لنشوء أي مشكلة أو عائق يحول دون تحقيق تقديم الخدمات التي تسعى الدولة لإيصالها لكل مواطن. وإذا ما تابعنا مصير ما يتكشف من نتائج وتقارير عن العمليات الرقابية التي تتم في الجهات الحكومية سنجد بأن هذا الحجم الهائل من العمليات الرقابية على اختلاف أوجهها تنتهي بتقارير يتم إرسالها للمسؤولين في الجهة محل العملية الرقابية وتتضمن مقترحات أو توصيات لتصويب الأخطاء وتصحيح الانحرافات وتحسين مستوى الخدمات المقدمة، وربما يكون لدى بعض الأجهزة الرقابية صلاحيات أوسع تخولها مطالبة الجهة الحكومية بمحاسبة المقصرين من منسوبيهاومساءلة المتسببين في نشوء تلك المخالفات والتجاوزات أو إحالة تلك المخالفات والتجاوزات للجهات المختصة لتتولى بدورها التحقيق وإصدار العقوبات المستحقة، ونتيجة ذلك هي تكرار حدوث المخالفات والتجاوزات، لأن الجهود تم توجيهها للمسائلة فقط ولم يتم تفعيل الحلول التي تعالج المشكلة بشكل كامل، ومرد ذلك هو الاعتقاد بأن المسائلة كفيلة بضمان عدم حدوثها مرة أخرى.ولذلك فإن العديد من الجهات الحكومية مرغبة على القبول باستمرار وجود العديد من المخالفات والتجاوزات وجوانب القصور في أدائها، لعدم امتلاكها الصلاحيات أو الإمكانات المادية أو البشرية الكفيلة بمعالجتها، وهذا الأمر يدعونا للتساؤل عن دور العمليات الرقابية على الأجهزة الحكومية وعن قدرتها على معالجة مشكلات الجهات المشمولة برقابتها؟.. بل إن البعض يدعو للمطالبة بإعادة النظر في جدوى الإنفاق الحكومي على كل هذه اللجان والأجهزة الرقابية؟. وللإجابة على مثل هذا التساؤلات يجب أن نقر بضرورة مسائلة المقصرين ومحاسبة من يتجاوز الأنظمة ومن يخالفها إلا أننا يجب أن ندرك بأن ذلك لا يشكل حلاً جذرياً لأصل المشكلات التي تواجهه مختلف الجهات الحكومية وما تعانيه من تكرار لأخطاء أوحالات قصور في مستوى الخدمات المقدمة، بل إن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر فيمدى استثمارنا للعمليات الرقابية في تحريك الأسباب الكفيلة بتحقيق المعالجة الحقيقية لمثل تلك المشكلات وبما يؤدي لوضع نقطة النهاية لأي مشكلة يتم اكتشافها.ولذلك فإن القيمة الحقيقية للعمليات الرقابية أي كان المنفذ لتلك العمليات يكمن في مساهمتها الفعالة في تمكين الجهات الحكومية من امتلاك الأدوات اللازمة لمعالجة مشكلاتها، والمساهمة بشكل فاعل في جعل الحلول الملائمة موضع التنفيذ، ولن يتحقق ذلك ما لم يتم معالجة المعوقات المادية والبشرية وكذلك التشريعات والقوانين التي تحول دون تمكين الأجهزة الرقابية من التحول من أجهزة رقابية تطالب بالمسائلة في كثير من الأحيان إلى أجهزة تشارك وتساهم في إيجاد الحلول وتولي ذلك كل العناية والاهتمام وتدعم جهود الجهات الحكومية نحو معالجة ما يتكشف لها من مشكلات وجعل الحلول الممكنة موضع التنفيذ والمتابعة، لتصبح الأجهزة الرقابية قادرة على إحداث التغيير المأمول.