أوكرانيا التي تعتبر مهد الاتحاد السوفيتي السابق والحديقة الخلفية والمدى الحيوي للاتحاد الروسي التي تضم شبه جزيرة القرم ذات الموقع الاستراتيجي، التي تحتضن الأسطول البحري الروسي والمنفذ على البحر الأسود، وما تتمتع به من أهمية بالنسبة للاتحاد الروسي يجعل من الصعب بل من غير المستحيل أن تسعى موسكو للتفريط بها أو تتساهل في استعادتها. بعيداً عن الأهمية الاستراتيجية لأوكرانيا بالنسبة للاتحاد الروسي نجد أن خروج أوكرانيا من منطقة النفوذ الروسي، خاصة بعد تصريح الرئيس الأوكراني المؤقت الكسندر تورتشينوف بعيد تسلمه مقاليد السلطة في أوكرانيا المتضمن العمل على إعادة بلاده إلى مسار الاندماج مع الاتحاد الأوروبي، بحد ذاته أمر يدعو للقلق ولن تقبل به روسيا، لأن اقتراب الغرب من حدودها قد يمهد الطريق للعبث بالأمن القومي الروسي فما حدث في الأراضي الأوكرانية بالأمس ليس من المستبعد أن يحدث في الأراضي الروسية فيما بعد. الاتحاد الروسي لاستعادة حديقته الخلفية ومداها الحيوي أوكرانيا والحفاظ على أمنه القومي من العبث أمامه عدة خيارات: أولى هذه الخيارات هو التدخل العسكري على غرار ما حدث في جورجيا العام 2008 وهذا الخيار هو المطروح حالياً على الطاولة، خاصة في ظل الاستعدادات العسكرية الروسية خلال الأيام الماضية التي من أهمها صدور أوامر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإجراء تدريبات عسكرية لاختبار جاهزية الجيش الروسي، ووضع المقاتلات في حالة التأهب الأمني على الحدود الغربية مع أوكرانيا.. أما الخيار الآخر فيتمثل في الاقتصاد، فما تعيشه أوكرانيا من أزمة اقتصادية يجعل استعادتها عن طريق هذا الخيار أمراً ليس من المستبعد خاصة أن الاتحاد الأوروبي وإن تعافى من أزمته الاقتصادية إلا أنه بحاجة إلى المزيد من الوقت لاستعادة قوته الاقتصادية، وصندوق النقد الدولي لن يكون باستطاعته تقديم ما تستطيع روسيا تقديمه لأوكرانيا، أضف إلى ذلك أن إعلان رئيس الحكومة المحلية في شبه جزيرة القرم الولاء للرئيس المعزول فكتور يانوكوفيتش، وتحركات أبناء القومية الروسية في شبه جزيرة القرم واحتلالهم لبعض المباني الحكومية يجعل من التقسيم أمراً وارداً لوضع حد للأزمة الأوكرانية وهذا ما استشعرته الحكومة الأوكرانية الجديدة التي دعت الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية إلى ضمان وحدة الأراضي الأوكرانية. من جهة ثانية ما بعد فشل جنيف 2 وترجيح المعادلة العسكرية على الأرض لصالح النظام السوري وانقسام المعارضة المسلحة على نفسها والانفصال غير المباشر ما بين الفصيل السياسي والعسكري، نجد أن الغرب قد يسعى للانسحاب من الأزمة الأوكرانية على طريقة حفظ ماء الوجه من خلال اتفاق تتوقف موسكو بموجبه عن دعم للنظام السوري، وهذا الاحتمال الذي يبدو ضعيفا إلا أنه من الممكن أن يتم طرحه على الطاولة وليس من المستبعد أن يلقى القبول من قبل الاتحاد الروسي، خاصة بعد التقارب ما بين موسكو والقاهرة الذي قد يفضي إلى بناء تحالف يمهد الطريق لأن تتخلى روسيا عن حليفها النظام السوري. ختاماً : الأزمة الأوكرانية لم تبدأ بعد فما حدث خلال الفترة الماضية التي نتج عنها عزل الرئيس الأوكراني فكتور يانوكوفيتش من قبل البرلمان، ليست إلا سقوط رأس الجليد لأزمة قد تنذر بعودة الحرب الباردة بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدةالأمريكية.