المتابع الحصيف للشأن الكروي السعودي لن يستغرب إطلاقًا ما ذكره سابقًا سعادة وكيل رعاية الشباب الأستاذ محمد القرناس في تصريح للإعلام الرياضي بأن (نتيجة فحص المنشطات للاعبين المحترفين أثبتت تعاطي بعض اللاعبين السعوديين للمخدرات)، وهو ما أكَّده قبل ذلك أمين لجنة المنشطات سابقًا، وأيْضًا ذكر هذه المعلومة اثنان من رؤساء الأندية الكبيرة، وبالأمس كان الكابتن فؤاد أنور صريحًا حين أشار لتعاطي كثير من اللاعبين المحترفين (للحشيش)، وقبل ذلك كلّّه كان الأستاذ محمد العبدي أول من حذّر من هذه الظاهرة في مقاله الشهير قبل سنوات بعنوان (إنهم يشربون)، ولكن يبدو أن مسؤولي اتحاد القدم ورؤساء الأندية (لا يسمعون) لذلك لم يحرّكوا ساكنًا وكأن هذه التحذيرات الخطيرة لا تخص رياضة الوطن! بالرغم من أن النادي هو المتضرر الأول من هذه المشكلة أو الظاهرة الخطيرة، فبالرغم من أن الانحراف السلوكي لبعض اللاعبين المحترفين واضح للعيان من خلال تراجع المستوى اللياقي والفني وكثرة الإصابات والغياب، وواضح جدًا من خلال العديد من الأسماء التي صعدت للنجومية وسقطت سريعًا في مرحلة عمرية مبكرة، وتحوَّل بعضهم من نجم جماهيري يملك الملايين إلى بائس في عالم الضياع والنسيان، إلا أن أحدًا لم يحرِّك ساكنًا، وما زال الحل العملي لهذه المشكلة غائبًا ولا أبالغ إذا قلت: إن الرغبة في مناقشة القضية أو مناقشة الموضوع معدومة!.. فالأندية تخسر الملايين التي تقدمها للاعب محترف يتدهور فنيًّا بعد تسلّم الدفعة الأولى من العقد، ومع ذلك لا زال غالبية رؤساء الأندية ومسؤولو الاحتراف يدسون رؤوسهم في الرمل خوفًا من مواجهة هذه المشكلة، التي تتطلب قرارات حاسمة من السلطة الرياضيَّة واتحاد القدم ورابطة دوري المحترفين ورؤساء الأندية والإعلام الرياضي لإنقاذ الكرة السعوديَّة من الانحراف السلوكي لبعض اللاعبين المحترفين، وهو انحراف سريع العدوى لوجود بيئة حاضنة له، تتمثَّل في حداثة سن اللاعبين وصدمة الشهرة، إضافة لتواضع مستواهم التَّعليمي والثروة الماليَّة المفاجئة، ووقت الفراغ الطويل لعدم ارتباطهم بالنادي سوى ساعتين يوميًّا مقابل مرتب يتجاوز النصف مليون شهريًا، وأسوأ ما في الموضوع هو غياب دور الأندية في مجال التوعية والمتابعة واتّخاذ الإجراءات الوقائية مثل التمرين الصباحي ومتابعة المستوى اللياقي للاعب وتركيزه الذهني داخل الملعب وتقرير طبيب النادي والملاحات الشخصيَّة لإدارة الكرة، وهي مؤشرات واضحة تحتاج فقط لمن يتعامل معها بجدية. فمن العجيب أن يصرف النادي الواحد مرتبات للاعبين المحترفين تتجاوز العشرة ملايين شهريًا، ويستخسر نفس النادي صرف بضعة آلاف من الريالات لتوفير طاقم فني وإداري للإشراف على تمارين الفريق الصباحية، وإعداد برنامج توعوي للارتقاء بفكر اللاعب، بالرغم من أن غالبية الأندية المحترفة تعاني من هذه المشكلة، وتعرف عن لاعبيها أكثر مما نعرف، وأكثر مما نستطيع نشره هنا، فالنتائج السلبية واضحة للجميع. والحل العملي لمن يريده ولمن يحمل هم رياضة الوطن سهلٌ ومتاحٌ، بشرط تضافر جهود الرئيس العام لرعاية الشباب واتحاد القدم ورابطة دوري المحترفين والإعلام الرياضي، ويكمن بتعديل عقود اللاعبين المحترفين من قبل لجنة الاحتراف، بحيث يتَضمَّن العقد ثلاثة بنود رئيسة هي: 1 - يلزم اللاعب بقبول فحص للكحول والمخدرات في أيّ وقت يختاره النادي وبإشراف طبيب النادي، وفي حال ثبوت التعاطي أو رفض اللاعب لإجراء الفحص تُطبّق عليه عقوبة رادعة تصل لغرامة بقيمة مساوية لعقده السنوي، وهذا البند لا يتعارض مع نظام (الفيفا)، الذي يعطي للاتحادات المحليَّة حق إضافة ما يتناسب مع ثقافتها وظروفها كما حدث في منع (القزع) من ملاعبنا. 2 - يلزم اللاعب المحترف بتمارين صباحية، وتقوم رابطة دوري المحترفين بمتابعة تطبيق الأندية لهذا القرار، الذي سيحد من السهر ويرفع اللياقة البدنية والتركيز الذهني للاعب، على أن تُطبّق غرامات تخصم من مستحقات النادي لدى رابطة دوري المحترفين في حالة التساهل في تطبيق هذا القرار. 3 - تطبيق نظام (البصمة الإلكترونية) على اللاعبين المحترفين لمتابعة انضباطية الحضور والانصراف، وبالإمكان ربطها إلكترونيًا بلجنة الانضباط مباشرة لمتابعة اللاعبين في كلِّ الأندية المحترفة، وهي طريقة إلكترونية سهلة جدًا ومطبَّقة في الشركات وبعض القطاعات الحكوميَّة، وأثبتت نجاحها على عدد من الموظفين يفوق أضعاف عدد اللاعبين المحترفين. 4 - تشكّل لجنة من المختصين والمعنيين لوضع حلول أخرى لهذه الظاهرة. ..أما في حال استمر وضع الاحتراف بشكله الحالي، فستخسر رياضتنا المزيد من المواهب وتضيع ملايين الأندية وتصبح مهدَّدة بالإفلاس، وستعاني كرتنا من انحدار فني وأخلاقي وانهيار مالي، فمن يكون صاحب مبادرة الإنقاذ العملية؟