تتسارع التطورات في أوكرانيا، إلا أن تجربتها كانت خصبة . فالدرس لن يقف عند قيام المظاهرات، أو إسالة الدماء، بل سيتعداه إلى صراعات بالوكالة بين كافة المكونات الدينية، والعرقية، والاجتماعية، والقومية، بعد أن وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة، عندما لم يصلح النظام ذاته ؛ ولأن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء، - ففي تقديري - أن أوكرانيا ستكون جزءا من النسيج الأوروبي في الأيام القادمة، أسوة بتشيكوسلوفاكيا، وهنغاريا، وبولندا، ورومانيا، وبلغاريا، وبألمانيا الشرقية. الاستدراك هنا واجب، فأوكرانيا هي خط الدفاع الأول في وجه الغرب الأوروبي بالنسبة لروسيا، كونها تمثل جزءا من إمبراطورية السوفييت . والشريحة الأعلى من شعبها هم من أصول روسية، - ومع هذا - فقد عملت منظمات المجتمع المدني لصالح الاستخبارات الغربية بصمت رهيب، قابله حماسة منقطعة النظير من تلك الدول ؛ من أجل دعم المعارضة. « يانوكوفيتش «، هو من علّق توقيع اتفاقية التجارة الحرة، والشراكة مع الاتحاد الأوروبي . كما أنه لم يستطع أن يهزم الفقر، أو أن يدعم العملة النقدية، فارتفعت البطالة، وانتشر الفساد ؛ لتعلن تلك القراءات فشل نظرية السيادة المحدودة التي مارسها الرئيس المخلوع، وانتمت يوما ما إلى المنظومة الاشتراكية ؛ حتى وإن كان لديها حدود مباشرة مع روسيا . حجم الصراع غير العلني بين معسكري - الشرق والغرب -، سيبدأ بسقوط الرئيس الأوكراني، وستنطلق أجواء الحرب الباردة مرة أخرى، وسيستمر صراع سياسي آخر بين أمريكا، ودول أوروبا من جهة، وبين روسيا من جهة أخرى . وعند إسقاط الانقسامات الجغرافية في أوكرانيا على العملية السياسية، فسنلحظ أن جنوبأوكرانيا، وشرقه يميلون إلى التحالف مع روسيا، بخلاف وسط، وغرب البلاد، الذين تميل بوصلة هواهم نحو الغرب، ويرفضون بالتالي الهيمنة، والتحكم الروسي، - إضافة - إلى أن أوكرانيا تمثل كمّا هائلا من المصالح الاقتصادية، والسياسية، ومثله الإرث الثقافي، والتاريخي للحزام السلافي المجاور لروسيا . لا يمكن تقدير حجم المكاسب، والخسائر، ومدى تأثيرها على الساحة الدولية، - وخصوصا - الاتحاد السوفييتي على المدى القريب ؛ لكنني سأطرح سؤالين مهمين؛ لأغادر بعدهما، الأول: هل سيؤثر الانقلاب الأوكراني على الدعم الروسي لنظام الأسد في سوريا، - وبالتالي - ضرورة إعادة قراءة الأزمات الدولية بشكل صحيح بالنسبة للجانب الروسي، باعتبار أنه لا يمكن إخضاع الشعوب إلى منطق القوة المسلحة العارية أبدا. والسؤال الثاني: لماذا يحذر الغرب من انقسام أوكراني قادم، بينما لا يمانع من التقسيم في بلاد إسلامية أخرى؟.