حين بدأت جماعة الإخوان المسلمين تبذر بذورها الأولى في التربة السعودية بداية التسعينيات الهجرية اعتمدت على الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة والعشرين؛ ووضعت لهم أحابيل الاستقطاب إلى شباك الجماعة باسم جماعات التوعية الإسلامية، والجوالة، والرحلات، والنشاط اللاصفي، وجوائز التفوق وحفلات آخر العام الدراسي ! وقسم قياديو الجماعة الكبار المدن والقرى إلى أسر، كل أسرة عليها أمير أو رمز يكون هو نقطة التواصل والتنسيق لزيارة الأسر الإخوانية في أحياء الرياض مثلا ؛ كالشفا الذي كان حديث النشأة، أو الملز حي الطبقة الارستقراطية وأبناء الأغنياء، والشميسي، وشارع الغنم، وجبرة، والعطايف وغيرها، وكان على كل أسرة في كل حي رمز تتوافر فيه سمات قيادية واضحة، يرتب للقاء القيادي بالأسرة ؛ إما في مكتبة المسجد أو في منزل أحدهم أو شقته وهو الأكثر اطمئنانا إن تيسر، أو بالخروج إلى الفضاء الطلق في البر، وعلى أمير الحي تجميع غلمان الجماعة وشبانها، فيدور عليهم بيتا بيتا بسيارته التي كانت غالبا بيجو أو ونيت، ويصحبهم في رحلة خلوية تبدأ من صباح الخميس وتمتد إلى منتصف الليل، أما في القرى ؛ فالاجتماع أكثر يسرا ؛ لصغرها، وسهولة الحركة، فتسبق الأسرة بأميرها القياديين إلى البر المقصود، وتقيم الخيام وتجهز أمور الطبخ والشرب، وتلتئم الخلية الصغيرة متعطشة إلى توجيهات المفكر المنظر الذي يبدأ بالأقل أهمية ممازحا في بادئ الأمر، ثم يخطو إلى ما هو أبعد في إطلاق الأحكام على المجتمع، فيصنفه بأنه يحتاج من الطليعة الشابة المسلمة إلى إعادة صياغة، والسعي الجاد لإقامة المجتمع الإسلامي الراشد، ونبذ ما يلف المجتمع من ضلالات وجهالات فكرية، يقول القيادي ذلك وهو يسترشد بعبارات من كتاب «معالم في الطريق» لسيد قطب، أو مجتزآت من « الظلال « دون أن يغامر بإطلاق أي أحكام في الجانب السياسي ؛ لئلا يثير المخاوف أو القلق أو الحذر في نفوس الشبان المبتدئين من الجماعة ! وهكذا نشأ خلال السنوات العشرين من 1390ه - 1410 جيلان مهيآن للدخول مع المجتمع والسلطة في صراع ؛ وقد أنضجت الأحداث السياسية في إيران 1979م وفي أفغانستان ثم أزمة احتلال الكويت تجربة بعض المنتمين إلى الجماعة ؛ واستغل قياديوها تلك الأوضاع ؛ فاستقطبوا إليهم مزيدا من الأتباع المتأثرين بما أسموه الرؤية أو الخطاب الإسلامي البديل، ومزج بعضهم بين رؤى سلفية متشددة وأبعاد حركية إخوانية ؛ فنشأ ما أسمي بالسلفية الجهادية التي كانت نواة لفكر القاعدة، وهي مختلفة كل الاختلاف عن سلفية جهيمان وأفكاره القائمة على تفسير المنامات والأحلام الطوباوية متكئا على ممارسة وحماية أحلامه بالعنف. لم تكن الجماعة تولي اهتماما كبيرا للسلفية ؛ بل هادنتها وصالحتها ؛ لتفيد من دعمها أحيانا؛ على الرغم من أن السلفيين كانوا موضع تندر من كثير من قياديي الجماعة؛ فهم لا يرون فيهم أكثر من دمى تحركهم السلطة، ولا يملكون مشروعا، ولا يتكئون على عمق سياسي أو فكري، فهم - كما يرونهم- حفاظ واتباعيون فحسب! و ابتدأت الجماعة تخرج كوادرها الأولى التي شبت عن الطوق وأصبحت مهيأة للتأثير في المجتمع عن طريق التعليم والإعلام وبعض المراكز الوظيفية؛ ومنحها حادث الحرم خلال السنوات العشر قبل أزمة الخليج فرصا واسعة في العمل، وأعطاها مجالا كبيرا للتوسع في توزيع أفرادها على قطاعات كبيرة مؤثرة في الدولة، وأتاح لبعضها فرص الابتعاث إلى الخارج بصورة لم تكن ميسرة لغيرها ؛ نتيجة لتغلغلها في مواقع صنع القرار وأخذت تؤكد وجودها كحقيقة واقعة ؛ فبدأ التركيز على تصنيف الكتاب وعلماء الدين والسياسيين وأنشأت مفهوم الفصل الحاد بين المنتمين إليها ما تزعم أنهم إسلاميون وغير المنتمين إليها غير الإسلاميين ؛ فأصبحنا مجتمعين متصارعين داخل إهاب واحد ! حتى تفجرت حماقة 11سبتمبر 2001 ! وتغيرنا !