التخطيط المستقبلي أمر حميد يعطي تصورًا عن التوجُّهات التي تنوي أيّ جهة أو قطاع رئيس الوصول لها من حيث التنمية والإصلاح والتطوير ولدينا العديد من الخطط الإستراتيجية المعتمدة التي وضعت لها أهداف وتواريخ محددة لتطبيق كامل فصولها المقررة من حيث التنظيم والتشريع وما ستنعكس به على الاقتصاد المحلي من نموّ يحقِّق فرصًا استثمارية ووظائف. فهناك خطة للصناعة وكذلك للسياحة والتوظيف وقريبًا سيكون للإسكان خطة وأيْضًا للاقتصاد المعرفي وجميعها تضع عمرًا زمنيًّا محددًا للتنفيذ فالصناعة حددت العام 2020 كهدف لتحقق فيه كافة ما أقر فيها للوصول إلى نسبة تأثير الصناعة بالناتج المحلي عند 20 في المئة. أما خطة السياحة فتستهدف بعد خمس سنوات تطبيق كل ما جاء فيها لتكون السياحة صناعة في اقتصادنا توظف قرابة 1.5 عامل وتنعكس على الناتج المحلي بمعدل تأثير قد يقارب 10 في المئة. أما خطة التوظيف فقد تَمَّ تعديلها عمَّا كانت عليه وتستهدف القضاء على البطالة أيّ الوصول لنسب تقل عن 3 بالمئة وهي المعدلات العالميَّة التي تعتبر فيها البطالة غير موجودة بأي اقتصاد. لكن ما يهمنا هو الإفصاح المستمر عن نسب تنفيذ هذه الخطط سنويًّا بعد اعتمادها فعدد السنوات المتبقي لإنهاء بعض الخطط قليل، ولم يعلن إلى الآن كم نفذ منها وأين وصلت؟، وهل هناك ما يعيق تطبيق بعض ما جاء فيها؟ ومن هي الجهة المعطلة أو المعيقة لها؟، فأي خطة إستراتيجية تشترك بها جهات عديدة ولا بُدَّ أن يكون التنسيق بينها مرتفعًا وسير أعمالها متوازٍ مع بعضها البعض لتحقيق الهدف المرجو من الخطة فرغم بقاء ستة أعوام على الخطة الصناعيَّة، إلا أن عدد المصانع بالمملكة يقارب 6400 مصنع باستثمارات تصل إلى 880 مليار ريال ولكن لو دخلنا بتفاصيل هذه الاستثمارات سنجد أن عددًا محدودًا منها قد يصل للعشرات وتتبع شركات كبرى لدينا كأرامكو وسابك تستحوذ على نصيب الأسد من هذه الاستثمارات مما يعني أنها تتركز بصناعات أساسيَّة أو وسيطة للمنتجات البتروكيماوية وحجم توظيف مثل هذه الصناعات يبقى قليلاً نسبيًّا كما أن نوعية المستثمرين تبقى محدودة بمن يملك الملاءة الماليَّة الضخمة أيّ صناديق أو شركات حكومية سواء بملكية كاملة كأرامكو أو بنسبة كبيرة كسابك ومعادن مما يعني أن الحاجة لزيادة عدد المصانع بعدد كبير في فترة قياسية سيكون تحديًّا كبيرًا وإن كانت وزارة الصناعة ومعها الهيئات التي تجهز مدنًا متخصصة أو توسعها قطعت أشواطًا مهمة في ذلك لكن يبقى لجذب المستثمرين وتهيئة الظروف المواتية لتأسيس مشروعاتهم هو المعيار الحقيقي لنجاح الخطة. والأمر لا يتعلّق فقط بالخطة الصناعيَّة التي ذكرت كمثال بل ينطبق على كافة الخطط دون استثناء فما لم يفصح بصفة دورية عن نسب إنجازها والتوعية بأهدافها وأهميتها وتأثيرها سيخفض من فائدتها ولن تصل لأهدافها المأمولة بالوقت المحدد لإنجازها، فمن المهم أن تتضح الصورة للمجتمع حول أيّ خطة إستراتيجية ليكون الجميع مساهمًا بإنجازها سواء الجهات العاملة بها أو المنشآت والمستثمرين الراغبين بالدخول بنشاطات تستهدفها الخطط المعتمدة فالتعرف على الفرص المتاحة والمحفزات المقدمة عناصر أساسيَّة لإنجاح الخطط وكذلك تفتح الباب للجهات المعنية لمعرفة العوائق التي تقف بوجه المستثمر والعمل على إزالتها مما يتطلب الحضور الإعلامي بكلِّ أوجهه بالمجتمع من قبل تلك الجهات لتصل أهداف الخطط لكافة أفراد ومكونات المجتمع بخلاف التوجُّه للمستثمر الأجنبي كعنصر إضافي يدعم نجاح الخطط وتنوع بمصادر الاستثمار والتقنية والإدارة وأساليب التشغيل وتوطينها. الخطط الإستراتيجية إذا اعتمدت أصبحت ثقافة عامة لأنّها توجه أساسي يدير أوجه الاقتصاد وقطاعاته ويؤثِّر بتوجُّهات الأفراد والمنشآت باستثماراتهم وتعليمهم والعديد من الجوانب ا?خرى بالمجتمع حتَّى تصل الخطط لأهدافها بمشاركة عامة من كل الأطراف والإفصاح عن مراحل إنجاز الخطط يعد أمرًا حيويًّا يسهم بتطوير دور كل جهة وقطاع له علاقة بها ويسمح للجهات التشريعية والرقابية للتدخل وسد أيّ ثغرة تظهر كسياق طبيعي عند إنجاز أيّ عمل سواء بالمحاسبة أو بتطوير وإصلاح الأنظمة وتوسيع الصلاحيات وحفظ الحقوق لكل الأطراف وإلا ستبقى محدودة الأثر ومستنفزة للطاقات والقدرات لأن ما يعيقها أو سبب بطء تنفيذها أو عدم جذب المستثمرين لها سيبقى مبهمًا وغير معروف.