من الوهلة الأولى قد يفهم البعض قرار جمعية الثقافة والفنون بالاستغناء عن بعض موظفيها وتقليص نفقاتها بأنه قرار انسحابي عن دورها وتهرب من مسؤولياتها، وهذا ما قرأته في بعض التعليقات على الخبر، ورغم أن الجمعية لم تقدم ما يرضي طموحات جمهورها والمستفيدين منها، وربما حتى طموحات مسؤوليها، الا أنها ولكي نكون منصفين قدمت في السنوات الأخيرة الكثير من البرامج والأنشطة التي كانت محل تقدير. ولذلك فإن هذا القرار الجريء الذي اتخذ بشجاعة إدارية تحسب لمجلس الإدارة، خاصة وأن من أصدره يعلم كيف سيستقبله الجمهور والإعلام، ومع ذلك كان لا بد مما لا بد منه، وصدر القرار الذي قد يفهمه البعض كما أسلفت بالقرار السلبي، ولكني أقرأه بالايجابي والشجاع، فهو بحسب رأيي رسالة عتب وجهت للمسؤولين ليعرفوا أن الجمعية لا تستطيع ان تقوم بدورها في ظل هذا الشح والتقتير المالي الذي تواجهه! وكرأي شخصي فإنني أرى أن يحسب هذا القرار لصالح الجمعية وليس ضدها، وهو الأول من نوعه في تاريخها لأنه علق الجرس لصالح الثقافة بشكل عام، وأصدر تنبيها قويا إلى معاناتها وليس معاناة الجمعية بمفردها، والكرة الآن أصبحت في حوزة المثقف والفنان والمسرحي ليقوم بتسجيل الاهداف التي أصبحت جاهزة نتيجة لهذه الهجمة المرتدة! ودوره ليس بتناول القرار في مداه القصير وكيل الاتهامات كما قد يحصل، فهذا أمر سهل ولكنه غير مفيد! لكن المفترض على كل من له علاقة بالثقافة أن يقوم بمسؤوليته ودوره في مساندة هذا القرار من خلال (حملة) لصالح القرار وليس بالضرورة لصالح الجمعية! فالقرار يفترض أن يثير الأسئلة المهمة حول: لماذا الدعم المالي للثقافة أقل مما يفترض؟! ولماذا كتب على الثقافة أن تقف في آخر الصف؟! ولماذا مؤسسة ثقافية كالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون لم تمتلك مقرات لتذهب معظم مخصصاتها للايجارات! رئيس مجلس الجمعية الدكتور سلطان البازعي قال: انهم طالبوا بزيادة المخصصات مرات عديدة ولكن دون استجابة، وبرأيي فإن هذا هو أقسى أنواع الإحباط الذي يمكن أن يواجهه مسؤول! ما لا يعرفه الكثيرون هو ان ميزانية الثقافة في المملكة تقارب (30) مليون ريال فقط!! وهذا رقم متواضع جدا لبلد بحجم المملكة، في حين تستقطع الرياضة (مليارات) الريالات!! مئات الآلاف من المثقفين والأدباء والموهوبين من الشباب ينتظرون أن تقوم الجمعية بدورها تجاههم ومئات الآلاف أيضا من الجماهير التي تنتظر العروض المسرحية والفنية والدورات والبرامج والمعارض والكتب وغيرها، ولن تفي المخصصات المالية المتاحة الآن بالتزامات الجهات التي أوكل إليها مسؤولية إنتاج الثقافة ورعايتها وشغل أوقات فراغ الشباب بما يفيد. فهذه الميزانية توزع على الجمعيات والأندية الأدبية وغيرها من المشاريع الثقافية والبرامج والأنشطة! أذكر في مؤتمر المثقفين كانت هناك توصيات بالاهتمام بالثقافة وزيادة مخصصاتها والعمل على تبني الكثير من المشاريع وابراز دورها وزيادة برامجها وفعالياتها، ولكن امين عام المؤتمر الذي تلا التوصيات يبدو أنه نسي الملف على طاولة آخر اجتماع! الثقافة بشكل عام تحتاج إلى التفاتة من قبل صانع القرار ومن قبل معالي وزارة الثقافة والاعلام وهو الرجل المثقف والقريب من هموم المثقفين، والثقافة لا يجب أن تدار بالاجتهادات والحلول المؤقتة، بل يوضع لها استراتيجية وطنية، وخبر إنشاء مجلس أعلى للثقافة يصب في هذا الاتجاه لتكون الثقافة مصدرا من مصادر إنتاج المعرفة ورعاية المواهب وتقديم الصورة الأجمل عن الانسان السعودي!. ولكن ماذا بعد هذا القرار؟! من وجهة نظر خاصة قرار التقشف لا يعفي مجلس الإدارة من مواصلة المطالبة للحصول على الدعم الكافي وأن يكون هذا الهدف من أولويات المهام التي يسعى لتحقيقها، فهو وحده من يتحمل هذه المسؤولية وعليه أن يسعى بكل السبل لكي يجعل الجمعية تقوم بدورها، ولن يكون القطاع الخاص هو الحل فحلول القطاع الخاص مؤقتة، لكن الحل في مخصص مالي سنوي يفي بكل الالتزامات والبرامج، فبيئة العمل في الجمعية لم تعد مهيأة وقادرة على إنتاج الثقافة والفن وهي عاجزة مالياً!! وفي حالة عدم قدرة مجلس الإدارة على اقناع المسؤولين بزيادة ميزانية الجمعية، فعليه أن يقوم بتقديم استقالته.