لم يعرف تهاطل الأمطار على مدينة روما توقفاً منذ ما يزيد عن عشرة أيام. ازداد منسوب مياه نهر التيبر، النهر الأكبر الذي يشق المدينة، وانتشرت الهواجس بين الناس خشية من فيضانه، الأمر الذي دفع بالكثير للتوجه نحو الكنائس للدعاء والصلاة. فقد جلب نهر التيبر، بسبب ارتفاع منسوب مياهه جراء الأمطار الغزيرة، العديد من الفضوليين من السواح والمتساكنين في الأحواز. صادفنا العديد منهم ونحن نعبر الجسر الرئيسي في منطقة «تراتستيفيري» قرب حاضرة الفاتيكان. ذكرت لنا إحدى السائحات: لم نفوّت الفرصة لالتقاط صور تذكارية وتسجيلات بالهواتف النقالة عن هذا المشهد الفريد، عن المياه التي تكاد تفيض من النهر. علما أن التيبر هو ثاني أطول نهر في إيطاليا، ينبع من جبال توسكانا ويتدفق جنوباً لمسافة تزيد على أربعمئة كلم، ليكون مصبه في أوستيا القريبة من روما، في البحر الأبيض المتوسط. وهو النهر الذي تروي الروايات الشعبية في إيطاليا أن خير الدين بربروس مؤسّس الأسطول الجزائري، الذي قاد حملاته على السواحل الإيطالية سنة 1534م، قد بلغ نهر التيبر وهو ينوي القبض على البابا حينها، لكنه لم يوفق واكتفى بتعبئة مؤونته من مياه النهر وعاد على عقبيه. أخبرتنا سائحة أمريكية المدعوة جوزي، وهي رفقة ثلة من صديقاتها، أنها مذهولة أمام هذا المنظر الفاتن لروما. وكما تقول صديقتها ستيفان من بوسطن: نعيش الحدث في روما، فهذا الفيديو المصور عبر الهاتف النقال سنقوم بإرساله إلى عائلاتنا في أمريكا. وتضيف بأن مشهد نهر التيبر ومياهه الهادرة وهي تعبر أقواس جسر بونتي ميلفيو التاريخي، تذكرني بأفلام هوليود التي تروي غضب الطبيعة. وتقول ستيفان مازحة: بالفعل أعيش الحدث وربما سأغرق في هذا النهر ثم أنجو وأصبح مشهورة وبطلة فيلم عنوانه «ستيفان والتيبر». وروى لنا سياح قدموا من ألمانيا صادف أن أتوا في هذه الفترة من السنة بغرض التسوق، لا سيما وأنها فترة التخفيضات الشتوية. حسب ما صرح لنا هانس من برلين وهو مصور محترف، يقول: أستغل الظرف لألتقط بعض الصور لهذه الظاهرة النادرة بقصد عرضها في محلّي في برلين، وأظنها ستنال إعجاب الزبائن، فروما متحف مفتوح وأظن أن نهر التيبر وجسوره التاريخية تشكل جانبا من جملة المعالم المهمة لهذه المدينة العريقة. في حين أخبرتنا الكورية يوهان وزوجها، وقد كان كل منهما على دراجة هوائية، أنهما استمتعا بهذا المشهد المائي في روما، وهما عازمان للتوجه إلى مدينة البندقية العائمة لحضور احتفالات الكرنفال السنوي. قال الزوج ضاحكا: حين تجولنا في روما ولاحظنا مواسير صرف المياه وقد امتلأت وفاضت على المدينة اعتقدنا أننا قد بلغنا البندقية المدينة العائمة. لكن في ظل هذه الأجواء المرحة للسياح لا يخفي السكان تخوفهم من أن تغمر مياه النهر المدينة، مثل ما حدث في منطقة أوستيا التي يقع فيها المصب، حيث أُعلنت حالة الطوارئ. فالطلاب جورجيا وجوفانا وماريو وفرانشيسكو الذين يسكنون بيتاً قريباً من النهر، لاحظنا عليهم شيئاً من التخوف والتذمر. قالت جوفانا إنها لا تنام ليلاً، فهي تسكن في الطابق السفلي من العمارة، وإن فاضت مياه النهر ستكون أول متضررة. ويضيف خطيبها فرانشيسكو قائلاً: صحيح الكل هنا منبهر من هذا المشهد، وبالخصوص السواح، لكن لا أخفيكم خشيتي فأنا لم أر طيلة حياتي هذا المشهد. وبالقرب من الجسر الذي كنا فوقه، في وسط النهر الجاري، تقع ما تسمى بإيزولا تيبيرينا، وهي جزيرة صغيرة، تحتضن مستشفى طبياً، توجهنا نحوه وقبل أن ندلف داخله شاهدنا الاضطراب بين أعوانه ومرضاه. جلب انتباهنا كثرة المرضى والأطباء المطلّين من النوافذ نحو النهر المحيط بالمستشفى من الجهات الأربع، وهم قلقون، إلا أن رئيسة قسم الأطفال الدكتورة كاميلا جيتزي أخبرتنا أن المستشفى محصّن وأنهم متعودون على هذه الأجواء، وقد اتخذوا جملة من التدابير، منها وضع جدران اصطناعية لصدّ المياه على أطراف المستشفى، مع ذلك فعين على مرضانا وعين على هذا النهر المتلاطم ورددت قائلة: لِيحمِ الرب مدينتنا الخالدة!