تذهب إلى الطبيب وتطلب منه أن يشخص حالتك المرضية وإبداء المشورة لعلاج حالتك التي قد تبدو لك بسيطة لأنك سبق أن تجاهلتها في الماضي وتلاشت من تلقاء نفسها ولم تحدث لك أية مضاعفات، لكنك تتفاجأ الآن وأنت أمام الطبيب بما يقوله عن حالتك وأن الأمر من وجهة نظره أكثر جدية مما تتصور ويتطلب تعاطي أكثر من دواء وليس دواءً واحداً. ولأن الأطباء هم أهل الاختصاص وهم الأعرف، ولأن صحتك غالية عليك فإنك لا تملك إلاَّ أن تقبل وتنفذ ما يوصي به الطبيب سواء عن طيب خاطر أو على مضض وتردد وحيرة! لكن حيرتك تزداد عندما يكشف لك طبيبٌ آخر في زيارة لاحقة أن حالتك لم تكن تستدعي وصف كل هذه الأدوية، وقد يطلب منك أن تتخلص مما تبقى منها لديك أو استبدالها بأدوية أخرى. وبالطبع فإن مثل هذه الحالات تحدث في الغالب في المستشفيات الأهلية، وعندما تذهب إلى «الصيدلية» التابعة للمستشفى تجد أن «الروشتة» الخاصة بك سبقتك إلى هناك عبر خط التواصل بين الطبيب والصيدلية. ومن المناظر اللافتة التي يراها الإنسان في الصيدليات التابعة للمستشفيات، وخاصة الأهلية، تلك الأكياس الثقيلة المحملة بالأدوية التي يخرج بها المراجعون من الصيدليات بعد أن يدفعوا أثمانها الغالية أو بعد تسجيلها في حساب شركات التأمين لمن يملك تأميناً صحياً. شخصياً لا أتردد في الانصياع لكل ما يأمر به الطبيب لأنني أحترم أهل التخصصات ولأنني أعتبر أن الثقة بين الطبيب والمريض أساسية لبناء علاقة سليمة بينهما والاستمرار فيها مع قبول هامش معقول من إمكانية حدوث الخطأ الذي يمكن أن يقع فيه البشر سواء كانوا أطباء أو من أصحاب المهن الأخرى. لكنَّ ما يحير هو هذا التوسع الملاحظ بوضوح في وصف أدوية كثيرة لحالات مرضية بسيطة فعلاً، وخاصة أن بعض هذه الأدوية يقشعر منها بدن المريض عندما يقرأ التنبيه المرفق معها عن الآثار الجانبية التي يمكن أن تحدث من جراء استخدامها! هناك حديث في كل مكان من العالم عن التشويه الذي جلبته «التجارة» إلى مهنة «الطب» الإنسانية الجليلة! وقد أصبح المريض في حيرة من أمره بعد أن تحول إلى «ماكينة» تقتات على الأدوية التي لا يعرف هل يحتاج إليها كلها مع كثرتها وتناقضات استخدامها وآثارها الجانبية المرعبة! نثق بالأطباء، ولا نطلب منهم سوى الرحمة والرفق، فهم بالتأكيد «أبخص» ويعرفون ما لا نعرف.