من يتابع أحوال البلاد العربية يُصدم، ويقف حائراً، وهو يشاهد اهتزاز دولها، وتمزق مجتمعاتها إلى مذاهب، وطوائف متصارعة..! نعم إنها صورة بائسة وكئيبة لهذه المجتمعات ولثقافاتها ومعتقداتها التي أساءت إليها أيما إساءة، بيدها وبيد من يدعون الزهد والتقوى والجهاد فيها في سبيل الله..! يستهل البعض أن يعزي ما آلت إليه هذه الدول والمجتمعات من تفكك إلى المؤامرات الخارجية التي تحاك ضدها، ولم يكلف نفسه، عناء البحث عن الأسباب الحقيقية، وإن كان لا يخفي علينا، أن الآخر لن يغيظه كثيراً، ولن يزعجه أن تقوم هذه المجتمعات بتدمير ذاتها، بل أن تستعين به إن اقتضى الأمر، إن المشكلة الحقيقية تكمن في العقل العربي الإسلامي الذي يعلق إشكالاته وإخفاقاته على التآمر الخارجي الذي هو هدف دائم له..! ولكي نصل إلى استنتاجات علمية لفهم ما نحن عليه من تمزق، وخراب يدب في أرجاء مختلفة من الدول العربية، علينا أن نتساءل عن الأسباب الحقيقية، إضافة إلى التساؤل عن أسباب الصراع وحركة الاستعمار عبر التاريخ، قديمه، وحديثه، وعن هدفها، هل كان هدفها استئصال الديانات، وتغييرها، أم كان النفوذ والسلطان، والصراع على المصالح هي المحركة لحركة الصراع والاستعمار عبر التاريخ؟! لا شك أن الصراع على النفوذ والسلطان والمصالح كانت هي المحرك والمولد للصراعات على اختلافها، سواء منها الصراعات الدولية، أو الداخلية، بغض النظر عن الشعارات الدينية أو الأيديولوجية التي تتغطى بها تلك الصراعات، فاستخدام الشعارات الدينية، والطائفية، والقومية، إلى آخره من ألوان الشعارات التضليلية، كل ذلك يأتي لزوم التعمية على حقيقة الأهداف الحقيقية لتلك الحروب والصراعات. لقد مثل ما عرف بعصر الصحوة الإسلامية في الربع الأخير من القرن العشرين، أخطر مراحل التخبط الفكري، لدى (الفكر العربي الإسلاموي) والذي لا زال مستمراً في تطويع الدين للأغراض السياسية إلى يومنا هذا، وقد جرى استثماره وتوظيفه، من خلال إسباغ الأسلمة والتديين، على الكثير من الصراعات والنزاعات والحروب التي شهدتها، وتشهدها الدول العربية والإسلامية، من أفغانستان والبلقان إلى ما يجري اليوم في الدول العربية في العراق وسوريا وليبيا والسودان ومصر.. إلخ. ولقد وفر هذا الفكر (الإسلاموي الصحوي) الخادع، المظلة التبريرية لهذه الصراعات، وأخفى حقيقتها كونها صراعات مبنية على أسس من النفوذ والمصالح المتضاربة، بين قوى ونخب سياسية أو فئات اجتماعية، أو بين قوى إقليمية ودولية، أو استحقاقات تغيير جيوسياسية، فرضتها مصالح وسياسات ومتغيرات إقليمية أو دولية، ومثل الأداة الملائمة لتأجيج هذه الصراعات الفتاكة بوحدة الدول والمجتمعات، وتشويه الدين والعقيدة السمحاء، وتمكن شيوخ الفكر (الإسلاموي الصحوي) من خلال فتاويهم وتجاوزهم لدورهم الديني والمجتمعي من السطو على دور الدولة ومؤسساتها، بإطلاق ما عرف (بفتاوى الجهاد هنا وهناك)، وتحشيد الشباب المسلم والزج بهم في أتون تلك الصراعات باسم الدين.. وأصبح المغرر بهم قنابل موقوتة جاهزة للانفجار، تدمر وتقتل بصورة عمياء..! لقد آن الأوان لشيوخ هذه الصحوة الخادعة أن يتوقفوا عن خداعاتهم وأن يعودوا عن فتاويهم المضللة، إلى جادة الصواب، من أجل الحفاظ على وحدة الدول والمجتمعات، وصون الدماء، وآن لهم أن يعتذروا لمجتمعاتهم ودولهم عما ألحقوه بها من أذى، وآن للفكر الإسلامي القويم والحنيف، أن يتقدم المواجهة الفكرية، وأن ينقذ شباب الأمة من المهالك، وأن يعتلي المنابر، وأن يؤكد على ضرورة استعادة وحدة الدول والمجتمعات العربية والإسلامية.