في البدء لا بد من التأكيد على أن الدراسة في الجامعة على شقين: دراسة في المرحلة الجامعية تمنح طلابها شهادة البكالوريوس أو الليسانس ودراسات عليا، تمنح طلابها شهادة الدبلوم أو الماجستير أو الدكتوراه. ولا شك أن الدراسة في المرحلتين شاقة وصعبة ومرهقة، ففي المرحلة الجامعية يتعايش الطالب مع مرحلة جديدة فيها آفاق معلوماتية واسعة وتخصصات عامة ودقيقة وأساتذة مؤهلون ومقررات منهجية وبحوث صفية وحلقات بحثية، ربما لم يكن مهيأً لها من قبل، وربما لا يكون مؤهلاً لها، وفق الإمكانات الذاتية المحدودة. والصورة تتضح أكثر في مرحلة الدراسات العليا حيث التخصصات الدقيقة جداً والمشروعات العلمية البحثية النظرية الوصفية والتطبيقية التجريبية. وللأسف فإن بعض الجامعات وبعض الكليات وبعض الأقسام العلمية وبعض الباحثين لا يولون مسألة حسن اختيار موضوعات الماجستير والدكتوراه العناية الفائقة بل إن المهم هو تسجيل الموضوع أياً كان الموضوع. ولا شك أن مثل هذا يسهّل عملية حفظ الموضوع بعد الانتهاء منه في الأدراج وعدم الاستفادة من نتائجه وتوصياته. بل إن لدى الجامعات أبحاثاً ودراسات ومشروعات قدمها وما زال يقدمها طلاب المرحلة الجامعية (البكالوريوس) غاية في الروعة والأهمية، بعضها دراسات وصفية نظرية، وبعضها الآخر مشروعات عملية تطبيقية، لكن وصفها بالبحوث الطلابية جعل مآلها الرمي والإتلاف بعد رصد الدرجات. أليس في هذا هدر للطاقات والورقات والجهود والإبداع؟!! إن الباحث كل باحث يستفرغ من سني دراساته وقتاً طويلاً لما يسمى جمع المادة العلمية من مصادرها الأساسية ومراجعها المساندة، بل وبعضهم يحتاج إلى رحلات علمية وزيارات ميدانية وحلقات نقاشية وورش عمل. أقول أليس مثل هذه الجهود والنشاطات جديرة بأن يحتفظ بها في سجلات الجامعات ويحفز صاحبها ويشجع مبتكرها ويمنح جوائز خاصة، ناهيك عن أن يكون الموضوع في صميم قضايا المجتمع وهموم الأمة ومشكلات الناس، تكون العناية أكبر والاهتمام أولى والرعاية أقوى. من هنا فإنني أقترح في هذا الصدد، ما يلي: أولاً: أن يخضع مبدأ تسجيل موضوعات رسائل الماجستير والدكتوراه للجنة مركزية تضبط هذه الموضوعات بأولويات المجتمع وحاجة سوق العمل واهتمامات الأمة مع العناية الفائقة بالدراسات التطبيقية الواقعية على مؤسسات وإدارات ووزارات ونشاطات الدولة. ثانياً: أن تتولى لجنة إعلامية خاصة بالجامعات نشر نتاج هذه الرسائل الجامعية (الماجستير والدكتوراه) عبر الوسائل الإعلامية (الإذاعة، التلفزيون، الصحف) والأوعية التقنية المعلوماتية الجديدة. ثالثاً: أن تقوم الجامعات عبر عمادات الدراسات العليا بإعداد كتب دورية تشتمل على موضوعات الماجستير والدكتوراه وملخصات لها تنشر وتوزع ويتم تداولها مع الجامعات ومراكز البحث ومعاهد التدريب. رابعاً: أن يقوم الباحثون بنشر نتائج وتوصيات دراساتهم عبر وسائل الإعلام المختلفة مع التعريف بالآليات والوسائل المعنية على مواجهة مشكلات المجتمع وقضايا الأمة. خامساً: ينبغي على الجامعات أن تبذل قصارى جهدها في البحث عن السبل اللازمة لتفعيل البحوث الطلابية بتشجيعها ودعمها والتعريف بها، بل وعقد لقاءات على مستوى الكليات حولها ومنح أفضلها جوائز تشجيعية مع الاحتفاظ بالبحوث المتميزة في سجلات الشرف. سادساً: ينبغي على الباحثين زيارة الجهات والأجهزة موضوع الدراسة ومقابلة المسؤولين والعاملين للاطلاع عن كثب على المشكلات والمعوقات المراد تذليلها ومعالجتها. سابعاً: لا غنى للباحثين عن الدعم المعنوي والمادي والحوافز التشجيعية على الإبداع والتميز وهذا أمر مفتقد حتى الآن، وأظن أنه عامل رئيس من عوامل الإحباط وتكثيف ما في دواليب الحفظ من بحوث ودراسات. وهكذا فإن المقترحات والآمال كثيرة، كما أن الصعوبات والآلام كثيرة، ولكن بشيء من النوايا الصادقة والتخطيط السريع والفاعلية في الإنجاز يتحقق الكثير من الآمال.