سعادة الأديب الشاعر سعد البواردي قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - بنت الأعشى - كلمات للحياة كتاب حافل يحوي مقالات أنيقة، وومضات وديعة، جمع فيها أديبنا الثر سعد بن عبدالرحمن البواردي - يحفظه الله - تلك الكلمات الرشيقة التي جاد بها يراعه في زاويته المشهورة التي خلدها عنوان الكتاب في المجلة العربية الرائدة جمع فيها بين الفكر والمنطق والفلسفة والحكمة، وجاء في استهلالة الكتاب كلمة موجزة وفحواها: (الكلمات للحياة لا تحتمل مقدمات الذين يُقدمون لكلماتهم كمن يفسر الماء بالماء، سأدعها وحدها تقدم نفسها دون تدخل، ما يمكن إضافته هو أن هذه الكلمات بالكامل نشرتها (المجلة العربية) التي تصدر بمدينة الرياض)، ومن مفاتيح الكتاب الهامة الهادفة إلى تصفح الكتاب وتذوق ما بين إهابيه كلمة جميلة جداً قال فيها ناشر الكتاب العبارات اللائقة بأديب كبير، وشاعر أصيل من جيل الرواد في أدب المملكة العربية السعودية وفكرها وشعرها وقصصها، جاء فيها الآتي: (كتاب جاد يزواج بين الفكر والأدب بأسلوب ساحر يعتمد المباشرة عندما تكون المباشرة مطلباً، والرمزية والسخرية عندما تهيمن الأدبية على قلم الكاتب كلمات تتردد أصداؤها بين أسماع القراء لما فيها من متعة وتجدد وغذاء فكري وعلمي يستجيب للذائقة الواعية، ويلبي تطلعات القراء على مختلف أذواقهم وتوجهاتهم). البواردي من رواد الأدب السعودي وصناع كلمته ما في ذلك شك، وهو يعالج بإبداعاته الاجتماعية قضايا مجتمعه السعودي، ووطنه العربي، بل القضايا الإنسانية جمة، وهذا ما تجلى ناصعاً واضحاً في كلماته الحياتية هذه حيث يقول: (أخطر أمراض العصر الذي يحياه جيلنا الجديد هو ذلك التخلي دون أكتراث عن كثير من ثوابته وخصائصه الاجتماعية، وروابطه الأسرية، ومن ثم فهمه الاستقلالية على أنها عملية فصل لا عملية وصل بين جيلين قد يختلفان ثقافة ونظرة للحياة)، ثم يحدد هذه الخطورة في قوله: (وتبدو الخطورة في مداها حين يأتي قصور النظرة متجاوزاً حدود الربط التاريخي بين ثوابت الأصالة بكل ما فيها من زخم وبين مؤثرات المعاصرة كي تبدو أشبه بعملية الطرد للموروثات التي حكمت مسار الحياة بخصوصياتها الانطباعية والأخلاقية والاجتماعية) ولعلك تدرك معي أيها القارئ الحصيف أنك على يد الخبير سقطت وذلك حينما يقول لك محذراً ومنبهاً: (إفرازات اجتماعية طارئة وجديدة بدأت تطفو على السطح مكونة بعض المحاذير لخطورتها على السلوك العام وتوجهاته، ومن الخطأ والخطل الاستهانة بها، والتهاون في مواجهتها تربوياً وإعلامياً وتوجيهياً داخل المدرسة وخارجها) ثم إن أخشى ما يخشاه هو: (أن تتجذر وتتحول إلى قاعدة مرضية تكوّن وجدان النشء يصعب معها التراجع، ويستعصى بشأنها العلاج الناجع والحل المنشود). وفي هذا الكتاب الذي يقع في (331) ورقة من القطع الكبير، ويحوي (139) مقالة متعددة الأغراض، ومختلفة المواهب والرغبات، يعرض الأديب الرائد سعد بن عبدالرحمن البواردي - سلمه الله - أفكاره وخواطره وآراءه ووجهات نظره برسم قلمه ونبض قرائه، ومقالاته متبانية الأصناف، متعددة الأوصاف، فهي حيناً ذاتية خاطرية يعبر فيها برأي صقيل عن وجدان متأمل وإحساس حاذق وشخصية شفافة، وحيناً تأتي موضوعية تنم عن رؤية فاحصة لما يجري على عتبة الحياة، وحيناً اجتماعية تطرح المشكلة وتحلل أبعادها ومخاطرها ثم يردف تحليله بوجدانية صادقة، وذاتية إصلاحية صدوق. وحيناً سياسية صريحة توحي بأحاسيس وطنية مخلصة، ومشاعر عربية متدفقة، فهو يهاجم الاستعمار ويحلل أوضاع المستعمرين في فلسطين وغيرها، فتشعر أنك بإزاء كبد تتفطر حزناً وغماً وكمداً على فلذاتها ولداتها. وحيناً تأتي مقالاته تأملية يتحدث فيها عن الكون والنفس والحياة متأملاً مكنونات النفس، وشاعرية الذات، وسحر العالم، وعظمة الخالق، وهو يسكب عليها فيضاً من مشاعر صادقة كل الصدق، وقبساً من أحاسيس مخلصة كل الإخلاص، وهو يأتم بأدباء أفذاذ، ومشاهير عظماء مثل: الأديب الناهض مصطفى صادق الرافعي في كتابه: (وحي القلم)، والعقاد في مؤلفه: (مطالعات في الكتب والحياة) وأحمد أمين في تحفته (فيض الخاطر). والجميل في هذا كله أن هذه الأنواع المتباينة تنتظم بترتيب وتنسيق تحت رقم يقلها، وعدد يضمها، فالمقالة التي تأخذ رقمها الخاص بها تلمح فيها الموضوعية والتأملية والخاطرية والسياسية، وهذا المزج يبعد السأم، والملل عن القارئ، فهو وسط بستان ومتنزه يزدان بكل ما يدخل المتعة والأنس في نفس رائية والمتأمل في نواضره ومباهجه ومحاسنه، خذ مثالاً أضربه لك لأقنعك برأيي السابق يقول تحت المقالة: الحاملة للرقم (138) ما نصه: - البراجماتيون بنرجسيتهم يرون أنفسهم ولا يرون الآخرين من حولهم، ولا يقبلون رأي غيرهم فيهم لأن الذات لديهم متضخمة. - الحياة تعاقب الآخرين الذين يأتون إلى الحياة متأخرين جداً عن ركب حركتها تعاقبهم ولا تلتفت إليهم لأن قطارها تركهم في العراء. - شقائق ثلاث أكبر من شقائق النعمان: أمن وإيمان.. سلام وإسلام.. توحيد ووحدة.. إذا اختل واحد تداعى له الثاني بالضعف والهوان. - حبيبتي الرياض مدينة جميلة.. صحراوية الطبيعة والطباع.. حبذا لو هبت عليها نسيمات البحر إذاً لأضفت على طبيعتها جمالاً واعتدالاً في جوها المتقلب. - الذين يزرعون الشوق يجنون الأمل.. والذين يزرعون الشوك يحصدون الألم حتى لو تظاهروا بقوة التحمل. - اعطني جنون العقل وخذ مني عقل الجنون كي أكون عاقلاً. - الإصلاح يبدأ من قمة الهرم الاجتماعي للأسرة الصغيرة أو الكبيرة باعتبارها القدوة والأسوة الحسنة لأنها القمة. - أميل إلى إنسان يعمل يفشل أكثر من ميلي إلى الآخر لا يعمل ولا يفشل، الفشل مؤشر عمل لا أخاف منه. وأخيراً: من هو الأديب سعد البواردي؟ وكيف تجلت أدبيته في كلماته الحياتية هذه؟ هو رجل خبر الكلمة لفظاً ومعنى، شكلاً ومضموناً ثم سكبها في قالب إبداعي جميل المطلع، بهي المنظر وشكلها بلسمات تعبيرية جمالية ونثر عليها درراً من عبقريته، وجواهر من فحولته، وجاء هذا السكب في تعبير راق عن مشاعره وأفكاره وخبراته الإنسانية يسبي عقلك، ويأخذ بتلاليب وجدانك، له لفظ جميل، وبيان ساحر، وكلام عذب، ومبنى رشيق. هو أديب يصور لك معاني ألفاظه بأجمل الصور، وأحلى التشبيهات فيرضيك وإن كنت غاضباً (وإن من البيان لسحرا)، أنت مع صانع الكلمة السعودية الأديب سعد البواردي في سعادة روحية، وأريحية نفسية عميقة، أنت معه كالعاشق بين يدي معشوقة، وكالمريد بين يدي معلمه وشيخه يناديك بأدبه وأنت تملك عقلك وقلبك وذاتك فلا تلبث أن تهبه الكل، فلله ما أجل قدره، وما أثمر أدبه، وما أخلص رسالته، وما أينع قطفه وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم. قال ابن أبي داود في وصف القلم، وأحسبه ينطبق على أديبنا البواردي: القلم سفير العقل، ورسول الفكر وترجمان الذهن. وقالوا في قلمه: وأخرس ناطق أعمى بصير بليغ عند منطقه عيي متى ترعف مناخره سوادا ويخبر عنك بالمعنى المضيي ورائدنا البواردي بارك الله في أدبه، وأذكى الله زناد أدبيته، إن بحثت عنه في الأدب شعراً ونثراً وجدته وفي كل وادٍ بنو سعد.