سؤال: أين مالُك؟ قد تقول إنه في المصرف وأنك لم تر مالك كله عياناً وإنما يأتيك كحوالة. إنك تشتري ببطاقة الصرّاف أو الائتمانية بدون أن ترى المال الورقي. سؤال: كيف أرسلت آخر رسالة؟ الأرجح أنك أرسلتها بهاتفك الجوال أو بالبريد الإلكتروني، ولن تتذكر آخر مرة أرسلت فيها رسالة ورقية في مظروف وطابع، ولن تتذكر آخر رحلة لصندوق بريد. سؤال: ما هو آخر شيء قرأته وكيف قرأته؟ أظنك ستقول إنك قرأت خبراً أو مقالاً في هاتفك المتنقل أو على الحاسب، وهذه صارت هي الأماكن التي تقرأ فيها أكثر من ذي قبل. هذه الإجابات ستكرر لو واجهتُكَ بأسئلة أخرى، فماذا فعلتَ حينما احتجتَ معلومة معيّنة؟ فتحتَ الإنترنت واستخدمتَ محرك بحث ووجدتها. هذا صار ينطبق حتى على الأمور الشرعية، فالكثير من الناس الآن يبحثون عن صحة الأحاديث والتفاسير ليس من الكتب الورقية بل من مواقع الإنترنت المتخصصة في الحديث وعلوم الشرع، وصارت خاصية البحث أهم جزء في مثل هذه المواقع. كل شيء الآن بدأ يتحوّل للرقمية وإلى التقنيات الجديدة التي بَرَزت على الإنترنت منها ما يسمّى الحوسبة السحابية Cloud Computing حيث يستطيع المرء رفع ملفاته إلى مساحات في الإنترنت، ورغم أنها غير مأمونة ويسهل اختراقها والتجسس عليها إلاّ أنها انتشرت انتشاراً كبيراً الآن وصارت جزءاً من طرق الحوسبة والشبكة والتخزين للأفراد والشركات. والآن السؤال الأخير والأهم: ماذا سيحدث لو حصل شيء للتقنية المعاصرة جعلنا عاجزين عن استخدامها؟ مثلاً ماذا لو ظهرت تقنية تدمر الإنترنت؟ نظرياً الإنترنت مَنيعة حصينة لا يدمرها شيء، ولكن لا شيء مستحيل في هذه الدنيا، فالإنترنت بيانات رقمية تَفيض عبر أسلاك، ولو حصل شيء لهذه الأسلاك تعطّلت الإنترنت في تلك المنطقة، فهناك آلاف الكيلومترات من الأسلاك أسفل المحيطات تنقل البيانات حول العالم، وعددها محدود، وخذ مثالاً محطة بيانات موجودة في مدينة ميامي، فهذه المحطة مسؤولة عن تسعة أعشار الحركة الإنترنتية بين قارتين كاملتين، ولو دُمِّرَت لتوقفت الإنترنت بين القارة الأمريكية الشمالية والجنوبية بشكل شبه تام. وفي عام 2011م كانت عجوز في دولة جورجيا تُنقِّب باحثة عن النحاس في إحدى الأراضي وبالخطأ قطعت سلكاً يزوّد أرمينيا – جارة جورجيا - بالإنترنت، وهكذا في طرفة عين انقطعت الإنترنت عن دولة بأكملها بهذه السهولة! هذه الأمثلة تتطلّب تعطيل محطات الطاقة واحدة واحدة حول العالم وهذا يطول، لكن الطاقة الكهرومغناطيسية تفعل هذا في ثوانٍ، فالكهرومغناطيسية عدو الأجهزة الكهربائية وتشلُّها فوراً، وأي طريقة تنْفُث موجة كبيرة من الكهرومغناطيسية – مثل انفجار نووي في الهواء - كفيلة بنفخ حزمة هائلة من هذه الطاقة إلى مساحة واسعة جداً، مما سيوقف تقريباً كل جهاز كهربائي في المنطقة: الهواتف، السيارات، الحواسيب، وهلم جراً. ستتوقف الحركة المالية لأنّ الصيرفة الإلكترونية صارت هي الأساس الآن، وستتعطل شبكات الهاتف، وستتوقف الحركة المرورية، وطبعاً ستحترق الإنترنت في المنطقة المصابة. إن ضربةً كبيرة من الكهرومغناطيسية كفيلة بإرسال أي منطقة تقنية رقمية إلى العصر الحجري! سنجد طرقاً للتعامل مع الكثير من هذه الأشياء، لكن لعل أشدها ضرراً هو اختفاء العلم، ذلك أنّ العلم اليوم صار رقمياً لا يفارق الإنترنت، وحتى موسوعة بريتانيكا الشهيرة توقفت عن الطباعة عام 2012م وصارت تقدم الموسوعة رقمياً على الإنترنت. إن اعتمادنا على الوسائط الرقمية صار شبه تام الآن، وهو ما يمكن أن يكون نقطة ضعف. ماذا سنفعل إذا اختفى العلم فجأة هكذا؟