بدأ أهالي «عودة سدير» بقوة في رسم ملامح بلدتهم كجزءٍ مهمٍ ومؤثرٍ في الوطن، وبدأت شعلة الانطلاقة من صاحب العبارة المدوية: (يا عيال العود عيدوها)، فهذه العبارة المحفِّزة فجَّرت الطاقات، وجذبت أصحاب الهمم من أهالي «عودة سدير»، فاستجابوا للنداء الوطني من أحد أبناء بلدتهم، وعندها بدأت عملية ترميم بيوت الطين القديمة، وبعد مرور سنوات قليلة من بداية تنفيذ هذا المشروع الجبار؛ تطَّور الأمر، حيث أصبح للحراك الثقافي دورٌ في مناسبات البلدة، وإحدى سمات هذا الحراك؛ مناسبة ثقافية دُعِيتُ لحضورها في صباح يوم السبت الموافق 25/2/1435ه، وهي ندوة علمية عن تاريخ عودة سدير للدكتور «عبدالعزيز الفيصل»، وكانت الندوة في بيت أسرة «الضويحي» الأثري بعودة سدير القديمة. والدكتور «الفيصل» من أهالي «عودة سدير»، وهو غنيٌّ عن التعريف، ويعد من رواد التاريخ والأدب والآثار في العصر الحديث، وقد أفنى حياته في البحث العلمي، وقدَّم خدمةً فريدةً للتراث العربي، وأثرى المكتبة العربية بمؤلفات تناولت التاريخ القديم للجزيرة العربية، والندوة التي ألقاها الدكتور «الفيصل» كانت ثريةً بالمعلومات الدقيقة عن عودة سدير ورجالاتها، و»الفيصل» أمينٌ في تمحيص المعلومة، ودقيقٌ في توثيقها، فأشكر الدكتور عبدالعزيز الفيصل تكبُّدَه عناء السفر لتزويدنا بهذه المعلومات القيِّمة، وقد استفدت كما استفاد الحضوركثيراً من المعلومات التي ذكرها، وأسرة «الضويحي» أحسنت صنعا عندما اختارت هذه الشخصية البارزة، وأحسنت صنعاً عندما اختارت الموقع المناسب لهذه الندوة، وأحسنت صنعاً أيضا عندما تقدَّم الحضورَ الإعلاميُّ والكاتب المعروف الأستاذ «عبدالله الضويحي»، والذي قدَّم الضيفَ للحضور، وأدار الحوار بطريقة رائعة، فله ولهم الشكر والتقدير. ) وجدير بالذكر أن أهم ما لفت انتباهي في هذه الزيارة ملامحَ مشروع المحافظة على تراث «عودة سدير»، فكنت أظن في السابق أن المشروع مقتصرٌ على ترميم المنازل القديمة بهدف المحافظة عليها، ولكن تغيَّر لديَّ هذا الظن، وبدأت أستشرف المنعطف المهم الذي يسعى أهالي «عودة سدير» للوصول إليه، وقد لاحظت أنهم سخَّروا إمكاناتهم المادية والعلمية والاجتماعية، وتكاتفوا رجلاً رجلاً لتحقيق هذا الهدف، فهذا المشروع الجبار الذي عزم الأهالي على تحقيقه يشبه إلى حدٍّ كبير التدرُّج الهرمي للحاجات الإنسانية، أو ما يُسمى بمثلث «ماسلو» للحاجات الإنسانية، حيث يتدرج من قاع المثلث بالحاجات البيولوجية الأساسية للإنسان، وفوقها توجد الرغبة في حاجات الأمن والأمان، وفوقها حاجات الانتماء والتكيف الاجتماعي، وفوقها توجد حاجات اعتبار الذات، وفي قمة الهرم أو المثلث توجد أهم حاجة يطمح لها الإنسان وهي تحقيق الذات. ) وبالنسبة لأهالي «عودة سدير» جاءت أهمية الحاجة الملحة للتنقيب عن آثار عودة سدير، وترميم المواقع الأثرية، فهي شبيهة بالغذاء والتنفس والتوازن في مثلث ماسلو. ) وفي خانة الحاجة للأمن والأمان جاءت أهمية تأمين وحماية هذه الآثار من التلف والضياع، باعتبار أنها ثروة وطنية، وتاريخية، وعلمية، يجب ألا يُستهان بها، وفي خانة الحاجات الاجتماعية والانتماء؛ تأتي أهمية هذا المشروع في الجذب السياحي، والحراك الثقافي، والحفاظ على تراث الأجداد، وفي خانة الحاجة لتقدير الذات؛ يتضح سِرُّ قوة تكاتف أهالي «عودة سدير»، حيث يقف خلف ذلك ثقتهم في بعضهم بعضا، واحترامهم لتفاوت الإمكانات عند المشاركين، فساهم هذا في إنجاز هذا المشروع الكبير، فكسبوا احترام وتقدير الجميع، وفي رأس الهرم تأتي الحاجة لتحقيق الذات، فهذا المشروع العملاق سيسهم في المحافظة على هوية هذا الجزء المهم من الوطن، وأيضا سيشجع على الهجرة العكسية لأبناء هذا البلد، وعلى الترابط الأسري، وعلى استثمار الطاقات المهدرة، وأيضا سيحافظ على التركيبة السكانية، ويعزز الانتماء الوطني، فهذا التدرج الهرمي عند أهالي «عودة سدير» أطْلقتُ عليه اسم مثلث «ماسلو» الموازي، فأهالي «عودة سدير» محظوظون لأنهم اقتنصوا هذه الفرصة، فترجموا هذا الطموح إلى واقع ملموس بعزيمة الرجال الأوفياء لوطنهم. ) ومن هناء - وفوق ما قدَّمه أهالي «عودة سدير» ويقدمونه - أطالبهم بالتركيز على هذا المثلث الموازي، وخاصة في التنقيب عن الآثار سواء باستقطاب علماء آثار عالميين عبر الجهات الرسمية؛ أو تشجيع أبناء الوطن المتخصصين في كشف أسرار هذا المخزون، فربما يتغير التاريخ باسكتشافاتٍ علميةٍ من بلدة «عودة سدير»، فالموضوع يحتاج إلى شخص مخلص يعلِّق الجرس تحت شعار (يا عيال العود نقَّبوها)، وأيضا أطالب معالي مدير جامعة المجمعة بمكافأة أهالي عودة سدير، وذلك بفتح كلية للآثار والإرشاد السياحي ببلدتهم، وهذه الكلية ستخدم المنطقة بكاملها، فالموقع مناسب لتوسط عودة سدير بين ثلاث محافظات، وحاجة المنطقة لمثل هذه الكلية.