إننا جميعاً نمارس دوراً أو أكثر من أدوار القيادة، فالوالدان قادة في أسرتهم والمعلِّم قائد في فصله وشرطي المرور قائد في شارعه، والمدير قائد في مؤسسته سواء أكانت تربوية أو اجتماعية أو خيرية أو تجارية، وأدوار القيادة لا حصر لها، إلاّ أنّ البعض يعتقد أنّ القيادة اتكاء أو صراخ وإكراه أو استسلام، ويجهل أنّ ما يفعله هو تسريع للفشل وضياع للأمانة والأمة!. إنّ أنجح القادة عبر التاريخ هم الأكثر هدوءاً والأوثق جأشاً ووعياً.. فالقائد الفذ يسير على رؤية ويستند على قيم راسخة ومبادئ لا تحيد كفَّتاها، بل هي ذات مراجع وخير مرجعين لنا القرآن الكريم وسنّة خير المرسلين, يقول العالم الأديب الطنطاوي - رحمه الله -: في السيرة من القوة والسمو والحياة، ما يغذي عشرين نهضة ويمدها بالقوة، لا تدانيها في هذا سيرة في التاريخ ولا تشبهها. ومن ثم ما سار عليه القادة العظماء الناجحين من السابقين والمتأخرين من العرب والأعاجم مما يصح ويذكر. ركائز القيادة الحقيقية 1-التخطيط: يحرص القائد النابه على وضع خططه ولا يجعلها دستوراً أبدياً، بل يعرضها على المتابعة والمراجعة، فيصوّب هذا وذاك ويتنوّع التخطيط، فالأسبوعي أو النصفي أو الشهري غير السنوي وهذا على حسب دور القيادة والبيئة. 2- الألفة والتواضع والرحمة: الألفة لا تكون بوجه متجهّم أو ميت المعالم، بل بوجه باسم ونظر يقظ وقلب نابض بالتفهُّم وعقل متمكن التوجيه نحو الصواب، غير متذبذب أو غير مهتم، بل يكسب من هم تحت قيادته بالإنصات وتحمُّل الهفوات, والرحمة لا تتعارض مع القيادة بل هي جزء أصيل منها ولا إفراط ولا تفريط ولا تضييع للأمانة وما لا يخالف الأولويات لا حرج فيه, أما التواضع فهو مهذب الروح ولب التأثير، ولا جدوى من قائد لا يهذب ولا يؤثر , يقول النبي عليه الصلاة والسلام : (حرم عن النار كل هين لين سهل قريب من الناس). وفي التواضع لا ينسى بديع وصف الشاعر حافظ إبراهيم لمشهد قائد كسرى عندما رأى عمراً أمير المؤمنين. 3- الوضوح والحزم: أيها القائد قد تخطئ مهما بلغت من الحرص والدقة، لذا كن صريحاً مباشراً عند ذلك، واعتذر بوضوح وعدّل نحو الصواب كل ما هو ممكن، وقد يخطئ من لديك وعند ذلك كن صريحاً مباشراً، ومهِّد الطريق بحسن اختيار الوقت ولا تخض في النيّات أو تسأل هذا وذاك متجاهلاً الوضوح مع المعني بالأمر، اسأله بأسلوب لبق كي لا تعظم المشاكل وتحيد رؤيتك وفق الأهواء! وما بين فترة وأخرى كن حازماً في إيقاف الأخطاء دون ظلم وقسوة، وذلك بعد كامل التثبت كي لا تشيع وينفرط العقد. 4- العدل والمساواة : لا تهدأ النفوس وتطمئن دون عدل ومساواة، والعادل الحق لا يعتمد على ذاكرته بل يدوّن ويقاسم ويوضح، ووسائل إحقاق العدل عديدة ومنها المشورة باتباع التصويت قبل إقرار بعض الأمور المشتركة. 5-الدعم والتحفيز : محبة الخير لهم بدعمهم نحو التميُّز والتجارب الجديدة ومشاركتهم في ذلك من أهم عوامل النجاح الكلي أيضاً دعم مواطن القوة وتحفيزها، ومن صور الدعم الثناء اثن عليهم لوحدهم أو عند موظفيهم أو تلاميذهم، فهكذا تعزّز جهداً وتنمّي التقدير في نفوس التلاميذ تجاه معلمهم أو مرؤوسهم، ولا تكثر من الثناء المخصص عند الأقران كي لا تولد الغيرة وتجنح للمبالغة وتحبط المجتهد وتؤجّج السلبي. 6-الاحتفال والتجديد: احتفل بهم عند أي إنجاز وفاجئهم بذلك، واعلم أنّ أيّ إنجاز لهم هو إنجاز لك، واحتفالك بهم يعني تقديرك لجهدهم وتوثيق للمحبة وللثقة بك ودعم لمنجزات أكبر، كما هو التجديد يبعث على الحماس ويجدد الروح ويعزز الولاء. 7- تقدير البيئة: القائد البارع يدرك أنّ ما لديه يختلف تماماً عما لدى غيره فلا يغرق بتتبُّع غيره ولا يعقد أي مقارنات بل يوجد من الأدوات ويستحدث من المهارات ويُفعّل من الأسباب ما يناسب بيئته وينفعها فلا ينكفي على ذاته ولا يتعذّر بصعوبة كل أمر . 8-الدعاء: كما تدعو لنفسك أيها القائد ادع لهم، هم على أي حال جزءٌ هام في حياتك واستقرارهم من استقرارك. همسة إنْ كانت القيادة أو المنصب أو المكانة لديك، مجرّد وجاهة، وواقعها خمول وفرغت من معظم ما سبق، فتفحّص قلبك واعمل عقلك وأحي إخلاصك وثمِّن من هم بعنقك واكتسب ما ينفعك، وإن رأيت صعوبة ذلك أو عجزك عنه فدع القيادة لغيرك، فإنك لن تطيق أوزارها وحساب آخرتها.. وإن كانت لديك فأنعم وتزوَّد بالعلم والتطبيق ما حييت ولا تكتفي. - وقود للحياة «لا تتطلّب على كل ما تقوم به شاهداً إلاّ الله سبحانه»