اهتزت وتمزقت وتفتت جدران أفئدتنا، وارتعشت أطرافنا، وتجمدت دماؤنا، وشهقت المأساة في بيوت محافظة طريف حزناً وألماً بعد أن داهمنا خبر وفاة ورحيل رجل من رجالات المحافظة سليمان بن صالح الحازمي، رحل أبو طلال يوم الخميس 1-3-1435ه، رحل من نشتاق إليه حتى وإن كان تحت الثرى، رحل أبو طلال الإنسان، رحل أبو طلال ولم يبق لنا سوى بصمات أعماله الخيرية وبصمات انسانيته، وذكريات معه لا ولن تموت، ولا يحس بذلك إلا من اكتوى بنار فراقه، بالفعل إن أعظم الجروح هي التي لا تنزف منها الدماء وإن سالت عبراتنا وتعمقت حسراتنا وتعالت صرخاتنا، فكثيراً ما نبكي فراق من نحب ونحن على أمل لقاء لاحق، فكيف بنا ونحن نبكي من لن نجتمع معه أبداً في هذه الحياة الفانية، كيف سيكون الألم، سيكون مراً وفظيعاً. يقول ابن عباس: (إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وقوة في البدن، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق)، وآثار حسنات أبي طلال كانت بادية بوضوح عليه أثناء حياته يرحمه الله، ونسأل الله عز وجل أن تكون شفيعة له يوم لا ظل إلا ظله سبحانه وتعالى، فقد عرف عنه حبه لليتامى، فكلما اشتدت حاجتهم إليه كان قريباً منهم، كما كان- يرحمه الله- واجهة مضيئة ورجل مبادرات لكل عمل خيري بلا تردد، فطاب كسبه، وصلحت سريرته، وعاش طيب النفس وحياة كلها فضائل وليست فضيلة واحدة، حيث يقول أفلاطون: (إن الفضيلة لا تتحقق بعمل واحد فاضل، ولكن لكي تكون حقيقة ينبغي أن تكون لماض عملي طويل)، فماضي حياة أبي طلال ماض فاضل وخيري طويل جداً، جله الأعظم محاسن لا ولن تحتويه هذه الحروف. باختصار شديد لقد كان- يرحمه الله- كالعين التي لا تنضب من أعمال الخير، ولا نريدها أن تنضب بعد وفاته- يرحمه الله- فالرسول عليه الصلاة والسلام قد أخبرنا أنه: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له)، فالأولى والثانية هما موجودتان بإذن الله، وعلمه هو خبرته التي هي بلا شك قد اكتسبها منه الكثيرون، ويضعونها نصب أعينهم دائماً، أما الثالثة فالأمل بعون الله بأبنائه وعلى رأسهم الابن الأكبر طلال، وعموم أهالي محافظة طريف بلا استثناء خاصة ممن ساهم أبو طلال في مسح دموعهم ورسم البسمة على شفاههم، وخفف من أوجاعهم ومرحاجتهم وجبر مآسيهم، وهم كثر وأجزم بأن هذا الأمر لا يفوتهم وإنما من مبدأ أن الذكرى تنفع المؤمنين. أخيراً ليس آخراً فمن وصايا لقمان الحكيم لابنه (يا بني عود لسانك اللهم اغفر لي فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلاً). فالله نسأل أن تكون ساعة كتابة وقراءة هذه الحروف من الساعات التي لا يرد الله فيهن سائلاً، حيث نسأله عز وجل أن يرحم فقيدنا سليمان صالح الحازمي، أبا طلال، رحمة واسعة، وأن يصلح ذريته، وأن يغفرله ويعفو عنه، اللهم أكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وقه فتنة القبر وعذاب النار، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، اللهم حرّم روحه على النار، اللهم اجبر عزاءنا ومصابنا فيه، اللهم ارحم كل من اشتاقت لهم أنفسنا وهم تحت التراب، وهم وجميع موتى المسلمين، ويا من تقرؤون حروفي هذه قولوا أمين، هذا وصل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.