شرع الله التسامح ولين الجانب بين عباده منذ أن بدأ الخلق وجعله شريعةً بينهم أثنى بها على عباده الكرام بقوله تعالى في سورة الأعراف خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ . بل وجعله قاعدةً يبنى عليها كل شيء. فلم يكن ذلك حصراً على أحد من خلقه كما قام به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما عفا عن أهل مكة فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء بل عم به كل علاقات البشر فيما بينهم وهنا أخص علاقات الناس فيما بينهم في أسلوب القيادة الراقي الذي يعكس شخصية قائد المركبة. ففي شوارعنا المكتظة بالحركة المرورية والمشاريع الإنشائية والتطويرية ممثلة بكثرة التحويلات وكثرة الحوادث البسيطة التي تخلو في الغالب من الخسائر البشرية نفتقد إلى التسامح بين قائدي المركبات. فهذا يتخطى الأرصفة بكل عزة وكبرياء وكأنه يرى أنه من الغباء التقيد بهذه التحويلات. والآخر يتخطى جميع المتوقفين أمام إشارة المرور ويقوم بعكس الطريق دون اكتراث لحياته وحياة الآخرين. قد لا يصدق من يقوم بزيارتنا لأول مرة ما يجري في شوارعنا وما يرى من هذا الحال الذي وصلنا إليه. فالبعض قد يعتقد أننا نتحدث عن فئة عمرية معينة تنحصر في فئة المراهقين منا. ولكن الأمر قد استشرى ووصل تأثيره كبار السن أو الأجانب الذين تأثروا بهذا الأسلوب أيضا. قد لا يخلو أحد منا من بعض هذه التصرفات ولو لمرة من المرات ولكن المؤلم هو عدم التسامح حتى في أبسط الأمور فتجدنا لا نسمح للآخرين بالتجاوز عندما يضطرون مكرهين على ذلك بل ونضيق الخناق عليهم وكأن في ذلك انتقاصاً من حقوقنا. ثم من المخجل عندما نلتقي عند التقاطعات والدوارات فالكل منا يريد أن يسير بدون إعطاء حق الأفضلية للغير وكأننا في معركة لا نقبل خسارتها ولو كلفنا ذلك أموالنا وفي بعض الأحيان قد تطال الأرواح!!! لو طبقنا مفهوم التسامح بيننا لما عشنا هذا الواقع الأليم فتبسمك في وجوه الآخرين والتأني وإفساح الطريق لهم, له الوقع العظيم والأثر الكبير بل أن ذلك لن ينقص من وقتك إلا القليل فهو ينم عن نفس رضية تحلت بأسلوب راقي قلَ ما نجده في كثير من النفوس الأنانية والتي تنسى أنها قد تكون يوماً ما في مثل هذه المواقف. فو الله إنني لأغبط البعض عندما نقابلهم عند تقاطع أو مداخل الطرق فيبادرونك بابتسامة جميلة وتأن يسمح به للآخرين بالمرور. إنهم أناس عرفوا معنى «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة» وأيقنوا أن البسمة مفتاح للقلوب الغليظة وتعايشوا مع واقع الأفضلية للأقوى وليس لمن بداخل الدوار في سبيل الحفاظ على صحتهم وأعصابهم التي كثر من يشكوا منها في هذه الأيام. إنها رسالة لكل من أراد السلامة فمن كانت حياته رخيصة عنده فهي غالية على أسرته التي تترقب قدومه سليماً من أي أذى.