تأليف: الشيخ الفاضل أبي عبدالله محمد بن عبدالعزيز الجدوع من عام 1367 إلى 1428ه قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - بنت الأعشى - السيرة الذاتية النفسية تُعد شكلاً من أشكال الكتابة العلمية التوثيقية، وهي في كل الثقافات من عربية وغربية تمثل منجزاً علمياً نابهاً، فكل إنسان عاش على ظهر هذه البسيطة له ذكريات وأحداث وأحاديث سارت موازية لعجلة الزمان، وهي ذات أنماط عدة، وأصناف جمة، وفرائد فذة، يقول الشاعر الأول الضارب في جذور التاريخ: فلا تجزعن من سنة أنت سرتها فأول راضي سنة من يسيرها. هذه السيرة ذات أشكال علمية، من اجتماعية وفكرية وسياسية واقتصادية وأدبية ودينية، وهي تتشكل بشكل راويها، وحسب اختيار النوع الذي يريد أن يحكي فيه حكاية عمر مديد، وزمن عتيد، يربو على الستين سنة أو السبعين أو الثمانين، وهي تنضج وتستوي على أشدها، وتبلغ رشدها إذا اقتنع راوي هذه السيرة بأن زمن قطافها قد حان. هذه السيرة تكون بارعة فريدة إذا كان بطلها ممن لديه قدرة مميزة في أسلوب الحكي، أقصد سرد القصص، ورسم الصور، ورصف الأحداث، وقص الأخبار السالفة، والأحاديث النائية، يقول الشاعر الأول القديم في حكمة وعقل ومنطق وتروٍ: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم وبين ناظري كتاب فاضل، وكشكول متفضل، أبرز ما لمحته هو قدرة مؤلفه الشديدة على سرد الأحداث بطريقة مشوقة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تفوح منها العبرة والعظة والحكمة، فلله دره من مؤلِف ومؤلَف. الكتاب جميل وقد أعجبني أيها القارئ المتشوق، فسقت لك كليمات في تأمله، والقطف من درره وجواهره، يقول مؤلف الكتاب -حرسه الله- في استهلالة الكتاب وناصيته وإرهاصته كلمات جميلات أسوقها إليك ليأخذ بك العجب كل مأخذ، يقول: (من كتب التراث والثقافة ذكريات ما قبل نصف قرن للمتقاعد أبي عبدالله وما لاقاه في مشوار حياته وأقرانه من تعب وفقر ومرض وأخطار، ثم البركة في الرزق والعافية في الجسم وصلاح الولد وغير ذلك، من علماء أفاضل كثر عاصرتهم، وقصص ومواقف مفيدة ومسلية مرت عليَّ أو سمعتها، ونصائح كثيرة أحببت جمعها في كتاب واحد ليسهل الرجوع إليها، ومساهمة متواضعة في نشر بعض التراث والثقافة الإسلامية)، وكيف أنك أيها القارئ الحصيف لا تعجب بالكتاب، وقادح زناد الفكرة هو صاحب السمو الملكي الأمير المبجل، ولي عهدنا السعودي، الأمير سلمان بن عبدالعزيز - طيب الله أثره، ورفع الله ثرياه- يقول المؤلف - حفظه الله - في مقدمة الكتاب النضرة ما فحواه: (زادني همة ما نقله لي الشيخ أحمد بن فهد الحمدان رئيس جمعية الناشرين السعوديين وصاحب مكتبة الرشد بالرياض جزاه الله خيراً، إن صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض سلمان بن عبدالعزيز -وفقه الله- طلب مني أن أشجع وأنشر وأطبع المقالات والكتب التي تظهر الفرق بين الماضي وقسوته والحاضر ونعمته، ولعل في طيات هذا الكتاب شيئاً منها وبضدها تتبين الأشياء). ويزين الكتاب مقدمة الدكتور القدير حمد بن عبدالله الجنيدل -حفظه الله ورعاه- والتي أثنى فيها على الكتاب وأشاد به، إذ يقول: (هو نموذج تطبيقي وكتاب ترفيهي جيد لما ورد فيه من شذرات ورسوم طيبة، واختيارات تعبق بحسن الاختيار). وأخيراً وليس آخراً، يلحق هذا الكتاب بكتب السيرة الذاتية إذ يتسم بخلفيته الدينية الوعظية المعبرة، فله تقاليد خاصة، وتنويعات عامة، وأسلوب خاص مؤثر في القص والطرح والتناول، حيث يشير إلى تفاصيل دقيقة من حياة المؤلف الدينية والاجتماعية والذاتية. هذا وقد دُعم الكتاب وطُعم بصور فوتوغرافية قد مضى عليها حقبة من الزمن فباتت وثائق تاريخية مهمة وخطيرة، كما جاءت هذه السيرة الذاتية الدينية سيرة قصصية خصبة حازت عندي كقارئة ومتذوقة لها على درجة الامتياز، ومما أضفى عليها صفة الجمال، وسمة الإمتاع، تلك الحكم والفوائد التي يتفيأ القارئ ظلالها بين موضوع وآخر، كذلك طرق هذه الفرائد بأسلوب الحكمة والمثل، والعبارة المأثورة والمؤثرة مما أضفى على الكتاب بسيل من الإجادة والإتقان. حفظ الله مؤلفنا الأديب، وبارك في علمه وتأليفه مقاماً ومقالاً وحدثاً وحديثاً.