إذا أردنا أن نتعرف بدقة وبالأدلة الثابتة المرئية على شكل أحد «الطواغيت» في هذا العصر المتفجر بمعاني الحرية والإنسانية ومنح الحقوق والمساواة والدعوة إلى العدالة ونبذ التمييز بين الأعراق والطوائف، والطافح في الوقت نفسه بالاستبداد والحروب والتجبر والاستعلاء وهضم حقوق الشعوب؛ فلننظر إلى أوضح رسم يمكن أن يعبر عن المعاني الأخيرة التي ربما تلخصها كلمة «الطغيان» أو كلمة «الطاغوت» والكلمتان تستقيان معانيهما المستبدة من بحر واحد؛ إذا أردنا ذلك لننظر إلى صورة الزعيم الكوري الشمالي الشاب «كيم يونج أون» الذي يعتقد الشماليون مكرهين أو مقتنعين أنه تسكنه أرواح الآلهة! لقد ورث هذا الدكتاتور الشاب البالغ من العمر32 عاما الطغيان أبدا عن جد، أو كما يرد في السياق الإنشائي التقليدي «كابرا عن كابر» فأبوه هو كيم جونج إيل الذي حكم البلاد من 1994م إلى 2011م بقبضة من حديد وبحرمان للشعب كافة من أي منفذ يمكن أن تتسرب من خلاله معلومات سياسية أو ثقافية عن العالم الحر؛ بل تم تنفيذ حكم الإعدام على من اتهم بأنه يستمع إلى إذاعة كوريا الجنوبية سرا! ورسخ إيل في الشعب الكوري الشمالي عبادة ذات الزعيم ، حتى استقر مفهوم عام عند كثيرين من الغوغاء والعامة ومن لا يعلم شيئا عن العالم الخارجي أن إيل وأباه سونج ليسوا كسائر البشر؛ بل إنه فيهم شيئا من أرواح الإله - كما يعتقدون -! ورث الابن المدلل هذا الاستعلاء الطاغوتي عن أبيه إيل ، منقولا عن جده «كيم إل سونج» الذي أسس كوريا الشمالية عام 1948م وقاد النصف الشمالي مدعوما بالصين في حرب دموية مع النصف الجنوبي مدعوما بأمريكا ثلاث سنين أهلكت الحرث والنسل من 1950م إلى أن توقفت 1953 بهدنة مؤقتة. لقد تعلم « سونج « مؤسس كوريا الشمالية كيف يغرس في شعبه معاني العبودية والخضوع من مجايليه رموز الاستبداد في الفكر الشيوعي المهيمن آنذاك على الاتحاد السوفييتي متمثلا في شخصية الدكتاتور «ستالين» والمهيمن على الصين ، متمثلا في الدكتاتور «ماو تسي تونغ»! ويتبادل الكوريون الشماليون حكايات أشبه بالأساطير عن القائد العزيز - كما يسمونه - مؤسس النصف الشمالي» سونج « فحين ولد في جبل بايكدو في كوريا الجنوبية ظهر قوس قزح وبزغت نجمة في السماء! وحين توفي إيل والد الدكتاتور الصغير اشتعلت كوريا الشمالية بالبكاء؛ صدقا أو كذبا، لقد تحولت البلاد إلى مناحة كبيرة، واجتهد الشماليون في إظهار حزنهم وبالغ ألمهم من مرارة فقد الزعيم، واجتهد الكثيرون في استدرار الدموع، وربما استخدم بعضهم فصا من البصل لإظهار الآلام المبرحة لغياب زعيمهم، ومتى اكتشف الأجهزة السرية عدم انفعال مشيع بالحدث أيام العزاء حين كانت مئات الآلاف من الشعب الكوري الشمالي تتوافد على الساحة الرئيسة في بيونج يانج؛ فإنها تغيب شمسه إلى الأبد بعد أن تتخطفه أيدي أجهزة الأمن السري! لقد تم إعدام كيم تشول نائب وزير الجيش رمياً بقذيفة هاون عقاباً له على تكرار تعاطيه المشروبات الكحولية أثناء فترة الحداد! وأعدم لاحقا أربعة عشر آخرين من العسكريين بتهم مشابهة! أما آخر دواهي الطغيان في كوريا الشمالية؛ فهو هذا الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام العالمية: تم يوم الخميس الماضي تنفيذ حكم الإعدام في نائب رئيس لجنة الدفاع الوطني بكوريا الشمالية جانغ سونج ثايك 67 عاما الرجل الثاني في حزب العمال الشيوعي الحاكم ومرشد أون منذ وفاة والده إيل 2011م. وقد أذاعت وكالة الأنباء الكورية الشمالية حيثيات إعدام ثايك في بيان طويل؛ كان على رأس الاتهامات الموجهة له «الخيانة العظمى» وأوردت المحكمة العسكرية المختصة بأحكام الإعدام أمثلة لها؛ منها «أن الرجل ارتكب انتهاكات مختلفة ، على غرار عدم التصفيق بالحماسة اللازمة في الاجتماعات السياسية»!