لقد تغلغل حب الوطن في نفوس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتضح ذلك من خلال ألقاب بعضهم، فهذا سلمان الفارسي وذاك بلال الحبشي والثالث صهيب الرومي فظل انتماؤهم الوطني قوياً راسخاً حتى بعد إسلامهم وهجرتهم وبعدهم عن أوطانهم التي ينتمون إليها ويعتزون بذلك الانتماء، على الرغم من أنها لم تكن حينذاك دار إسلام، بل كانت دار حرب مع المسلمين. نظام الوطن من المصالح المرسلة التي أقرَّها الشرع ودعت إليها الحاجة، وقد كانت القبيلة في القرون الماضية تقوم بدور الوطن ومع تطور الحياة وتغيُّر أنماطها في العصر الحديث تراجع دور القبيلة وحلَّ مكانه دور الوطن، فالولاء الذي كان مشروعاً للقبيلة هو نفسه يجب وجوباً أخلاقياً أن ينتقل إلى الوطن، بل بدرجات أشد لأن الوطن يقدّم لرعيته أكثر بكثير مما كانت تقدّمه القبيلة ويرعى مواطنيه بدرجات تفوق أضعاف ما كانت تقوم به القبيلة من رعاية لأبنائها، والأجر على قدر المشقة كما قيل في الأثر. إن ولاء المسلم لدينه الذي أوجب عليه الوفاء والشكر لكل من أحسن إليه وحرَّم عليه الخيانة والغدر هو الذي يدفعه تلقائياً لأن يكون مواطناً صالحا موالياً لوطنه يبني فيه ولا يهدم يصلح فيه ولا يفسد يطيع فيه ولا يعصي.