لا ينتهي الحديث عن مثقفي الزيف، أو الإعلاميين الكبار، الذين تخلوا عن دورهم التنويري ليصبحوا جواسيس للقوى الكبرى، وهؤلاء هم من تحدث عنهم المفكر الأمريكي من أصل فلسطيني، ادوارد سعيد، في كتابه الاستعمار الثقافي، وذلك عندما أصبح المثقف يستخدم الفكر كغطاء لمساعدة قوى الاستعمار، ولا يمكن أن يكون الأمر أكثر بشاعة من هذا، وها نحن نشاهد تلاميذهم يواصلون ذات الدور، وليست أحداث سبتمبر عنا ببعيد، وذلك عندما أصبح بعض الإعلاميين المثقفين يروجون لمشاريع المحافظين الجدد، بل إن بعض المعلقين الأمريكيين لم يستطع تحمل وجهات النظر الأخرى، خارج إطار رؤية المحافظين الجدد في البيت الأبيض، ولعل مقالات الكاتب الأمريكي، المتلبس بقيم الحرية، والديمقراطية، توماس فريدمان، وبرنامج المعلق الشهير، في قناة ام اس ان بي سي، كريستوفر ماثيوز، خير شاهد على تلك المرحلة. ونشاهد حاليا، بأم أعيننا، كيف أن معظم مثقفي الإعلام، بما فيهم بعض مفكري اليسار يتحدثون في كل شأن. هذا، ولكنهم يعرفون الخطوط الحمراء جيدا، فهم يتوقفون عن الحديث، بل ويزيفون الحقيقة أحيانا، ولم لا، والعمل الإعلامي هو مصدر رزقهم، ووصل الأمر درجة أنك نادرا ما تجد مثقفا يطرح رؤيته بشجاعة، ومن يفعل ذلك يلاقي صلفا، وقد سمعت ذلك بنفسي من بعضهم، وهم من الأسماء المرموقة في عالم الفكر، والثقافة، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى تغير هذه الوتيرة. نعوم تشومسكي غني عن التعريف، فهو يعتبر أحد أعظم المفكرين، لا في هذا القرن فقط، بل خلال التاريخ الإنساني كله، ولأن له رؤية مختلفة، تتواءم مع قيم الحرية التي يؤمن فيها بصدق، فهو لا يكاد يظهر في وسائل إعلام العالم الحر!!، ونادرا ما تتاح الفرصة لمقالاته، ودراساته، وكتبه، ومحاضراته أن تنشر، فهو تحت الحصار الدائم، وأذكر أنني حضرت محاضرة له في جامعة ولاية متشجن، وتحدث عن هذا الأمر، وقال إنه اضطر أن يغضب ذات مرة على جريدة النيويورك تايمز، لأنها لم تنشر مقالا له، يعبر فيه عما لا يروق للنخب الحاكمة، وفي النهاية - يضيف تشومسكي - أنهم نشروا ملخصا مبتورا للمقال !، ونحن هنا نتحدث عن اسم يعرفه الجميع في كل أرجاء المعمورة، ويترجم إنتاجه الفكري لكل اللغات العالمية، فما بالك بمن هو دونه، وهنا نشأ جيل مدجن من مثقفي الإعلام، من شاكلة معظم الإعلاميين الغربيين اليوم، والذين تحدث عنهم كتاب «المثقفون المزيفون»، والذي سنستعرض أهم ما ورد فيه في المقال القادم.