لم يكن مفاجئاً قرار الاتفاق الذي زغردت له وسائل الإعلام الغربية والإيرانية الأسبوع الماضي، والذي تم بموجبه نزع فتيل الخلاف بين الغرب وإيران حول المفاعلات النووية الإيرانية!. لقد عادت الأمور إلى طبيعتها الحقيقية التي يجب أن تسير فيها بين الجانبين، وما حدث من أمور عارضة أدخلت الشك إلى بعض النفوس في أن ثمة عداء بينهما لا تشكل قطيعة نهائية أو مطلقة البتة؛ رغم أن الغرب يريد أن يسير الملالي في الخط المرسوم الذي بموجبه تمت مساعدتهم على إسقاط نظام الشاه؛ ليؤدوا دوراً مرسوماً لهم في المنطقة؛ أما إذا خرجوا قليلاً أو كثيراً عن التوجه المرسوم والحجم الذي يريده الغرب لإيران كدولة مهيمنة في المنطقة بالشراكة مع إسرائيل؛ فإن العلاقة بينهما قد يصيبها نوع من الفتور أو القطيعة المؤقتة، وقد يستدعي الأمر اتخاذ بعض التدابير العقابية لكبح جماح الثور المعمم الهائج الذي ربما طمح إلى أن يجترح دوراً آخر أكبر مما خطط له؛ وهذا ما حدث بالفعل بعد الثورة الخمينية مباشرة؛ فقد توترت العلاقات بين أمريكاوإيران؛ بسبب الحماسة المفرطة والهيجان الذي صاحب نجاح الثورة من جيل الشبان الإيرانيين المندفعين الذين أججتهم خطابات الملالي النارية؛ فاستجابوا لها واحتشدوا ودعوا إلى مقارعة «الشيطان الأكبر» وحصار سفارته في طهران، وهكذا استمر هذا الإيقاع الأيدلوجي المتطرف المحتقن بما أثاره خطاب العمائم الذي قد يكون غير حقيقي؛ ولكنه للاستهلاك المحلي ولكسب ولاء الجماهير، باللعب على العواطف ووضع أهداف سامية للثورة تعزف على الوتر الديني والعداء للغرب. لم تنجح الثورة الخمينية إلا على أكتاف الغرب؛ فهو من هيأ لها الأجواء داخل إيران؛ عن طريق العمل الاستخباراتي، وهو من احتضن «الخميني» قائد الثورة في العراق أولاً بحماية صدام حسين الذي كان ولاؤه في بداية الأمر غربياً، ثم في باريس بعد أن تبينت لصدام الأهداف البعيدة الخطيرة التي يسعى لها الخميني؛ فطرده واستقبلته باريس وحمته وهيأت له فرصة العمل التنظيمي والتواصل مع أنصاره، ثم حملته على كفوف الراحة متوجاً بالنصر إلى مطار طهران بعد هروب الشاه إلى مصر. إن العقوبات التي فرضت على إيران والتوتر الذي حدث خلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية؛ ليس إلا نتيجة لتضخم طموحات العقل المعمم وتوسع أحلامه، والغرب يريده شريكا لا متفرداً بالمنطقة؛ ولذلك لن يسمح له بتجاوز القدر المسموح له؛ وهو الشراكة مع إسرائيل في الهيمنة على المنطقة العربية بتوازن دقيق، وكسر حدة صعود الإسلام السني؛ باتباع أساليب مختلفة ومتباينة بمواجهة أطياف منه حينا وباحتضان أطياف أخرى؛ كما فعلت إيران باحتضانها وحمايتها القاعدة وعدداً كبيراً من رموزها وأسرة أسامة بن لادن؛ لكي تستخدم «القاعدة» وقت الحاجة لضرب تيار أو نظام سياسي سني آخر؛ بينما هي في حرب مع أطياف أخرى من القاعدة ومناصريها كما فعلت في أفغانستان وفي اليمن وسورياوالعراق. إن «الصلح» الذي تم بين إيران والغرب وتبادل رموز السياسة الخارجية الغربية والمكلفين بالحوار النووي الإيراني أنخاب الانتصار واستقبال طهران وزير خارجيتها استقبال الفاتحين؛ لنجاحه في نزع فتيل التوتر وفك الأرصدة المالية المجمدة في المصارف الغربية؛ ليس إلا خلافاً عارضاً لم يكن يمثل في حقيقته قطيعة نهائية أو مطلقة مع الغرب؛ لكنه حدث لكبح طموح إيران عن أن تأخذ مدى أوسع مما أريد لها؛ فكان لابد من وضع قيود تعيق انطلاقتها التوسعية إلا بالقدر المسموح. هاهي إيران الآن تؤدي دورها الكامل المراد لها أن تؤديه ضمن خطة الشرق الأوسط الجديد؛ بسعيها إلى تفجير المنطقة العربية وتفتيتها وإشعال الفتن في كل بلد من بلدان بني يعرب؛ بدءاً بالبحرين ومروراً باليمن، ثم انعطافاً على مصر، واحتلال للعراق، وحرب وحشية معلنة على العرب والمسلمين السنة في سوريا ولبنان.