تدور عجلة الزمن بسرعة مذهلة ترتجف منها القلوب الحية، ذلك أنّ المسلم يكاد يطيش عقله عندما يقف مع نفسه محاسباً ماذا قدم فيما انقضى من أيام عمره ولياليه، فها هو عامنا الهجري الرابع والثلاثون بعد الأربعمائة وألف، جمع أطرافه ولملم أوراقه وربط أحزمته، ثم ودّعنا راحلاً بما حوى بين جنباته من أفراح وأتراح وآلام وآمال. فكم سعد فيه من أُناس وكم شقي فيه من آخرين، كم من دمعات انحدرت فرحاً باللقاء، وكم من عبرات سُكبت من لوعة الفراق. فكم من لحظة جميلة حلوة كالشّهد طعماً، وهنيئة لذيذة كالماء البارد على الكبد العطشى، وكم من مناسبات يطير لها القلب شوقاً وفرحاً، ومواقف وأحداث يحبها الإنسان، ووددنا أنها تتكرر وتدوم.. ولكن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فكم من قريب في العام المنصرم ودّعه أهله ومحبّوه بعبرات حرّى ودموع مهراقة، بعد أن واروه التراب، وكم من صديق عزيز عظم فيه المصاب، فلله الأمر من قبل ومن بعد. فالمقصود أنّ هذا العام قد انصرم وكل لحظة منه تباعدنا عن الدنيا وتقرّبنا من الآخرة. حين استقبلت العام الجديد، فقد عزمت أن أطوي مع آخر ورقة من التقويم للعام الماضي آخر دمعة وآخر حسرة، برغم صعوبة كل ذلك إلاّ أنني أجبرت نفسي على الأمل والتفاؤل بجديد العام الجديد، بدأت أسجل في ذهني بعضاً من أمنيات مازلت أدعو ربي أن تتحقق، ويسخّر لها من الأتقياء الأمناء من يحققها، رسمت في ذهني شوارع فسيحة كباري وأنفاقاً متوفر فيها قنوات التصريف للمياه، تلك القنوات التي تأخرت كثيراً وكثيراً في الإنشاء. أتمنى أن تنتهي قضايا ومشاكل العنف الأُسري، فكم جرت المدامع حين قرأت عن أطفال لا ذنب لهم أزهقت أرواحهم الطاهرة ضحية هذا العنف. أتمنى أن أرى مساجدنا مليئة بالمصلين، فمازالت للمآذن دموع وأنين وحنين إلى بعض من رجال يتهاونون في صلاة الجماعة، والوقوف مع جموع المسلمين في بيوت الله، ويكتفي البعض منهم بالصلاة في بيته.. أتمنى وأتمنى وأتمنى، ولكن ترى هل ستتحقق تلك الأمنيات وغيرها؟ .. سؤال كاد أن يذرف دموع عينيّ ليس يائساً ولا قنوطاً معاذ الله، بل رجاء ودعاء لربي أن يعجّل باستجابة دعائي وتحقيق كل تلك الأمنيات .. جعل الله عامنا حافلاً بالطاعات والخيرات، وحفظ الله ولاة الأمر، وسدّد الله خطاهم وكل عام وأنتم بخير.