يتلو المحللون العظماء روايات رائعة عن نتائج التحاليل التي قاموا بها.. فالروايات، في نهاية المطاف، تجعل النتائج أكثر ألفةً بنظر المستخدمين، وتسمح بالتالي إلى توصّل أكبر إلى القرارات - مع قدرة أكبر على الإقناع. لكنّه ليس السبب الوحيد الذي قد يدفع إلى استعمال الروايات.. وقد شاهدنا مراراً وتكراراً في سياق تجربتنا أن الروايات تزيد بكثير عن كونها فكرة جاءت متأخرة، فالواقع أنّها سمحت بادئ ذي بدء بإجراء تحليل أكثر دقّة للبيانات، مع الإشارة إلى أن الروايات تخوّل المحللين تطوير مجموعة من النظريات وتوفير خريطة تساعد على التحقيق في مضمون البيانات. لقد عملنا مؤخراً بالتعاون مع متجر تجزئة في أحد مراكز التسوّق، ومع فريق من المحللين الباحثين عن بعض الأفكار المبدعة حول موضوع وفاء العملاء.. وبالاستناد إلى عملنا مع خبير مراكز تسوّق، باشرنا عملنا بإنشاء حبكة رواية، ونظرية سردية، يقوم العميل فيها برحلات مختلفة في أرجاء مركز التسوق خلال فترة زمنيّة، ويكافئ متجر التجزئة بمستوى معيّن من الوفاء. كيف تتبلور رحلات التسوّق هذه؟ هل تبدأ زبونة رحلتها في قسم مستحضرات التجميل ومن ثم تنتقل إلى قسم الملابس؟ هل تذهب من الطابق الثاني إلى الطابق الأول لتشتري حقيبة يد تناسب ملابسها؟ هل خصصت أياماً للتسوّق، تأخذ فيها استراحة غداء في المطعم قبل أن تواصل تسوّقها؟ هل تكون رحلة الزبائن الأقل وفاءً مختلفة عن رحلة الزبائن الأكثر وفاء؟ بمعنى آخر، لم يقتصر اهتمامنا على ما يشتريه الزبائن، بل على آلية الشراء التي يعتمدونها، وكيفية تحوّلهم إلى زبائن أوفياء.. وبعد التحليل، تتجلّى للعيان الرواية الحقيقية عن الطريق الذي يسلكه الزبون ليصبح وفياً. من أين تأتي هذه الروايات؟ تشير تجربتنا الخاصة إلى أنها إما نابعة عن تجربة خبير في القطاع أو علامة تجاريّة معينة، كما كانت الحال في المثل السابق، أو ناتجة عن بحث نوعيّ يلجأ إلى الملاحظة أو المقابلات المعمّقة مع العملاء. وكي تكون الرواية قادرة فعلاً على تفعيل التحليلات، من الضروري أن يكون التناسق عنواناً لعملية بلورة أحداث هذه الأخيرة، علماً بأنّنا نستخدم إطاراً قائماً على نظرية راسخة لنتأكّد من أن البيانات وحبكة الرواية الشاملة تُعلِمان بعضهما بعضاً، وتتّسقان مع بعضهما البعض.. وتقضي الفكرة بأن يتنقل المحلل ذهاباً وإياباً بين البيانات والرواية المتبلورة، لضمان توازن جيد بين الرواية المبدعة والتحليلات التي تكشف وقائع الرواية وتفاصيلها. ولا شكّ في أنّ حبكة الرواية الممكِّنة لا يجب أن تشتمل على قيود كثيرة، كونه من الضروري أن تدعم تطوّر الأحداث والشخصيات مع بروزها من قلب التحليل، ولكن من دون انحياز.. وفي نقيض ذلك، قد تثير حبكة الرواية أسئلة معيّنة حول البيانات، قد تدفع إلى إجراء تحليل أكثر تعمّقاً. وفي عالم مُغرق بالبيانات، تتزايد صعوبة استعمال هذه الأخيرة، ويحول عددها الكبير دون رصد المنطق الكامن فيها، ما لم يقارب المرء البيانات المذكورة مسلّحاً بفكرة محدّدة أو نظرية يودّ اختبارها، علماً بأن تطوير الروايات يوفر إطاراً جيّداً يسمح بذلك.