من خلال السنوات الطوال التي قضيتها في العمل مع الأطفال حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أتصدى لسلوكيات تقتل براءة الأطفال ولا ذنب لهم فيها بينما كل الوزر يقع على كاهل الأسرة, أحياناً أحقّق بعض التقدّم وأحياناً أخرى أُصاب بالإحباط من النتيجة, والصور كثيرة ومتنوّعة بتنوّع البيئات الحاضنة للأطفال من حيث درجة التعليم والثقافة والوعي بخطورة المرحلة ودرجة الترف والرفاهية ومستوى الفهم السليم للعقيدة والتدين وغيرها. بطبيعة الحال أنا هنا لا أعمم فالتعميم لغة الحمقى ولكنها قضية نسبة وتناسب وفي هذه القضية بالذات يظل ناقوس الخطر يدق وباستمرار ليؤلم المربين من الداخل ويقض مضاجعهم.. وسأورد لكم هنا بعض الصور التي لم أستدعيها من الخيال، بل من الميدان.. طفل يستخدم مفردات بذيئة وسبَّاب للجميع دون مراعاة لكبير أو صغير حتى إن شتائمه تشتم فيها رائحة الشيخوخة ضاربة ببراءته عرض الحائط, طفل يبكي عندما يرى الرسوم المتحرّكة بحجة أن أمه تقول له إنك سوف تدخل النار إن شاهدتها, طفل يتحدث عن الأشباح أو ما يُسمى حديثاً بال»زومبي» وكيف يأكل الناس ويحذِّر أقرانه منه ووجهه محتقن وخائف, طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يحضر بشكل يومي برفقة الخادمة ولا نكاد نرى والدته, طفل يمشي مشية الكبار ويقلّدهم في أحاديثهم وحركات أيديهم ويفخّم نبرة صوته ويرفض أن يلعب مع الأطفال بحجة أنه كبير, كما لاحظت في الروضة طفلاً يرفض أن يلعب مع طفلة لأنه رجل, وطفل وطفل وطفل وسلسلة لا متناهية من الصور التي تنتج لنا جيلاً ممسوخاً يحمل سمات القزم البريء والطفل المشوّه. أخيراً.. رفقاً بهؤلاء الأبرياء فهم عماد المجتمع وبنيته وأساسه فلا تصنعوا منهم نماذج لكل ما هو سيئ حولهم, كما أنه من غير المعقول أن تكون مخرجاتنا قوالب مكرّرة لما مضى.. فلكل جيل سماته ومتطلباته كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) رواه أحمد.