صديقة قادمة من جدة، لي زمن عنها، استقبلتها في المطار تحمل حقيبتها، وأضابير عملها.. أكاديمية لماحة..، في طريقنا للمنزل قبل أخذها حيث مقر «ندوة» علمية نتشارك فيها كانت مستاءة لأمر.. ما لبثت أن قالت: في الطائرة جلست بين صفين،.. من أمامي أسرة سعودية رجل وامرأة وطفلان، والأخرى عن يميني، تبيّن لي من لهجة أفرادها أنها من المقيمين المخضرمين.. أمضت الأولى مدة الرحلة في شجار، وتبادل الصراخ، والنهر للطفلين معهما..، وعند الرغبة في الهيمنة على شغبهما فبالضرب، وبإلهائهما بأجهزة لعب إلكترونية، يبدو أنهما بعد هبوط الطائرة من المتوقع أن يستخدماها للولوج إلى عالم التواصل عن الشبكة الفسيحة.. اللا محدودة.. فيما أمضت الأسرة الأخرى المدة ذاتها في حديث هادئ من الأب يشرح بشكل مبسَّط للطفل عبر نافذة الطائرة عن طريقة الإقلاع، ودور المحركات، وارتداد الهواء، وانسياب جسد الطائرة معه في عمق الفضاء.. وكلما انبثق سؤال من الطفل كان لدى الأب إجابة شافية كافية.. بما فيها ربط إجابات الأب بقدرة الله في خلق الطيور، وكيف قلَّده الإنسان، واتبعه في منجز صنع هذا الهيكل الذي قرب البعيد، وكيف ساعدت الملاحة الجوية على تواصل، وارتباط البشر، وقضاء حاجاتهم.. سواء الطائرات الكبيرة أو الصغيرة.. وانتقل الحديث لآخر بينهما حتى بدأت الطائرة في النزول عاد الأب لفتح النافذة ومتابعة المعلومات عن طريقة الهبوط. ثم قالت: وددت لو أن الأسرة الأولى ضمت صغيريها وهما في مرحلة عمر متقاربة مع الطفل الآخر ليستفيدا من المعلومات.. مدرستان متناقضتان، حكت لي صديقتي القادمة من جدة عنهما، وكثيراً ما اتفقنا في تدوين مثل هذه المشاهد، وكثيراً ما قرأنا صفحات مكثّفة في الطائرة لسلوك الأفراد، هذا الشاهد على أس الطريقة التي يربي بها الآباء أبناءهم.. صديقتي ختمت سردها للمشهد بقولها: إن أسرنا تعوّدت الترف، والتغاضي عن أسس التنشئة، فمنذ ينشأ الصغير فإنه تحت سطوة النهر، واللوم، وإمداده بكل ما يورده السوق من ملهيات وإن كانت لا تناسب عمره، دون توضيح لحدودها، أو كبح لمخاطرها.. فلا نجد غالبية الآباء يتعاملون بوعي عقلاني مع صغارهم، أو يخاطبون أبناءهم بأساليب توجيه تربوية.. تعليمية، تثقيفية.. لذا تجدهم ينشأون فارغين، ثقافتهم ضحلة، ومعارفهم شحيحة، وعقولهم خاوية..، وألسنتهم جريئة على الخطأ.. مقارنة مدهشة، ومادة ثرية لمن يلاحظ ويسجّل... أدونها عنها.. وأطرحها ليتفكر الآباء في مسالك التعامل مع الأبناء... وكثيراً ما خرجت من هذه العلبة المعدية بأحاديث معكم هنا..، وبمشاهد عنهم.. شاركتموني فيها الدهشة، وبلغتم أبعاد الدلالات..، منها تلك التي «تقطع الزيتونة بالشوكة»، أو ذلك الذي كان يتحدث بأخبار صفقاته المذهلة، وهو مسترسل يكتشف الجالسون جواره أن هاتفه لم يكن على اتصال مع أحد..!! عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855